(هذا المقال السادس ضمن سلسلة مقالات سبتمبر الثورة)
ولن يرتضي غير شمس بها
دماء الأضاحي التي من دمي
ولن يرتضي غير هذا الصباح
صباحاً يحييك فلتسلمي
بلادي احييك فلتسلمي
وماعشت ياام لن تظلمي
دمي يابلادي ومافي يدي
فداء يحييك ملئ الفم
،،،،،،،،،
في ذاكرة اليمنيين، يظل 21 سبتمبر 2014 يومًا أسود، نكبة وطنية بحجم انكسار تاريخي، إذ اجتاحت ميليشيا الحوثي العاصمة صنعاء وأسقطت الدولة من داخلها، ليس ببطولة ولا بصدق قضية، بل بخيانةٍ وتواطؤٍ واغتيالٍ للجمهورية من خاصرتها الرخوة. لقد كان انقلابًا كهنوتيًا غادرًا على مشروع شعب بأكمله، مشروع الجمهورية الذي شُيّد بدماء ثوار 26 سبتمبر 1962.
21 سبتمبر: اختيار التاريخ ليس صدفة
لم يختر الحوثيون تاريخ 21 سبتمبر عبثًا؛ إنه اليوم الذي نُصّب فيه الإمام البدر عام 1962، آخر ائمة الكهنوت السلالي الذي أطاحت به ثورة سبتمبر بعد أيام. أراد الحوثي بهذا التاريخ أن يعيد وصل الماضي بالحاضر، أن ينسج شرعية زائفة على رمزية العهد الإمامي، وكأنما يقول للعالم: نحن امتداد لسلالة تحكم بالحق الإلهي لا مشروع وطنٍ ولا عقد اجتماعي.
نكبة الانقلاب: خيانة الداخل وتواطؤ الخارج
لم يسقط الكهنوت الحوثي صنعاء وحده؛ بل جاء على أكتاف مؤامرة قذرة نسجتها مراكز نفوذٍ سلطوية خشيت مخرجات الحوار الوطني الشامل (2013–2014) التي مثلت أرقى صياغة سياسية توافقية في تاريخ اليمن. فقد تآمرت مصالح ضيقة مع مشروع الكهنوت، وفتحت أمامه أبواب الدولة ليبتلع مؤسساتها، فصار 21 سبتمبر بمثابة الطعنة في ظهر الجمهورية.
الفتحة التي دخل من خلالها الانقلاب: الإنغلاق السياسي والانسداد الوطني
إن الانقلاب الحوثي لم يكن حادثًا معزولًا، بل استغل نقطة ضعف مركزيّة في جسد الجمهورية وهي الانسداد السياسي وعدم قدرة القوى الوطنية على التوافق. حين تتحول الخلافات إلى تحزّبٍ متصلّب، وحين تغلّب الحسابات الضيقة سقف المصلحة العامة، يتكوّن فراغٌ سلطويٌ ودستوريٌ تتراءى أمامه قوى الفوضى كفرس رهان. كلما ظلت القوى السياسية حبيسة التحصّن خلف المواقف الذاتية، فإن ذلك لا يترك سوى مجالٍ لتمدد الانقلاب وتنفسه، حتى يلتهم المساحات الوطنية ويستشري في كل شبرٍ من أرضنا.
لذلك فإن الدرس صار قبلًا واضحًا: لو لم تُبسط جسور التوافق وتُبادر القوى الوطنية للالتقاء على مشروع سياسي وطني جامع، سيظل الانقلاب حاضراً قابلاً للتمدد، وستظل الجغرافيا اليمنية ساحة للصراعات الإقليمية والدولية التي تُستغل فيها مواقعنا وثرواتنا ومآسي شعبنا لأجندات غير وطنية. والاستمرار في التشرذم يساوي إفساح الطريق أمام عودة الكهنوت، بل وبشكل أشدُّ منه تطرّفًا وتجذّرًا.
26 سبتمبر نور، و21 سبتمبر ظلام
الفارق بين التاريخين كالفارق بين شمس الحرية وظلام القيد:
26 سبتمبر 1962: ولادة الجمهورية، كسر قيود الإمامة، بداية الحلم الوطني.
21 سبتمبر 2014: سقوط الجمهورية، و عودة الوهم السلالي، واستباحة الدولة والمجتمع.
إذا كانت ثورة سبتمبر مجدًا صنعه الشعب بدمه وإرادته، فإن انقلاب 21 سبتمبر خيانة نسجتها العصبية السلالية ومطامع طوائف ومراكز نفوذ فاسدة.
التداعيات الكارثية
منذ ذلك اليوم، انزلقت اليمن إلى حرب مدمرة، جُرفت فيها مؤسسات الدولة، شُرد الملايين، انهار الاقتصاد، وتحولت البلاد إلى منظومة نزاع إقليمي. كل ذلك لأن 21 سبتمبر كان مشروع موتٍ لا حياة، مشروع كهنوت يقتات على معاناة الناس، ويستحضر لغة الاستعلاء العرقي والديني ليحكم بالقهر.
معركة الوعي والاستعادة
مواجهة 21 سبتمبر ليست مقتصرة على المواجهة العسكرية وحدها؛ إنما هي معركة للوعي والسياسة والبناء.
إن المطلوب اليوم تحصين الساحة الوطنية: إصلاح الأداء الحكومي، استعادة الشرعية بمؤسساتها، إصلاح جهاز الدولة واستعادة مؤسساتها الخدمية، وتجديد مشروع وطني جامع يستعيد ثقة المواطن ويستبعد كل أنماط الوصاية. والأهم: إعادة تربية الأجيال على قيم الجمهورية والحرية وعدم ترك تاريخ الوطن يزيفه من يريدون استعادة سيطرة سلالية وتمزيق الوطن.
النداء الحاسم
في هذا الامتحان التاريخي، تُحمّل الشرعية ومجلس القيادة والجهات السياسية مسؤولية تاريخية: أن يكونوا على قدر دماء الشهداء والتضحيات، وأن لا يفرّطوا بالجبهة الداخلية بمناكفات تظن أنها تنقذ مصالح، بينما تُسلم الوطن لتياراتٍ لا تريد سوى التوسع والهيمنة.
الشعب يريد الخلاص من الانقلاب، فلا تُقهروه بنتائج السياسات المعيبة: قطع المرتبات، شلل الخدمات، وغلاء يفتك بكرامة الناس. لا تسمحوا لليمن أن يبقى ميدانًا للتصفية الإقليمية والدولية، بل اجتمعوا على مشروعٍ يضع الوطن أولًا.
21 سبتمبر جرح في قلب الجمهورية، لكنه ليس نهاية الحكاية.
إنما هو دعوةٌ صارخة للاستيقاظ، لاسترداد الدولة، ولإصلاح ذات البين. ما دام فينا نفسٌ يتردد، فشمس 26 سبتمبر ستظل ساطعةً، تقهر الظلام مهما طال ليله.
---
✍️ عبدالعزيز الحمزة
الخميس 21 سبتمبر 2025م