الاحتجاجات التي نشهدها في هذا البلد بين الحين والآخر كثيراً ما تخفت ثم تعود للظهور من جديد، غير أنها غالباً ما تتلاشى دون أن تحقق أهدافها. لكن ما يميز احتجاجات العاملين في قطاع التربية والتعليم بحضرموت أنها تختلف عن غيرها بشكل جوهري، إذ ظل أصحابها ثابتين على مواقفهم ولم يلتفتوا للخلف، ولم تردعهم التهديدات المتواصلة بقطع رواتبهم أو تسريحهم من وظائفهم. هذه التهديدات لم تفعل سوى أن تزيدهم إصراراً على المضي في احتجاجاتهم حتى انتزاع حقوقهم المسلوبة.
إن ما يميز احتجاجات التربويين في حضرموت عن غيرها هو حجم الضرر الواقع عليهم؛ فهم الضحايا الأبرز لتدني الرواتب وعدم وجود أي حلول عملية لأوضاعهم. ومع استمرار التعنت في تجاهل مطالبهم، أصبح حالهم يرثى له، ولم يعد أمامهم من وسيلة سوى اللجوء إلى الشارع والساحات، في صورة حضارية وسلمية، للمطالبة بإيجاد حلول نهائية تخرجهم وأسرهم من براثن الفقر والجوع.
سنوات طويلة مضت وهم على هذا الحال، لكنهم في الأشهر الأخيرة ظهروا أكثر تنظيماً وتماسكاً من ذي قبل، حتى أنهم شكّلوا نقابة من صفوفهم لمتابعة قضاياهم مع الجهات المختصة. غير أن هذه النقابة لم تلقَ أي تجاوب، وظل الطرف المعني يصرّ على إنكار الأزمة ويغلق كل أبواب الحوار. أمام هذا الانسداد، لم يجد التربويون سوى الخروج للشارع كخيار أخير، فتوحدوا على قلب رجل واحد وخرجوا في مظاهرات متكررة، حظيت بتضامن واسع من المجتمع.
صباح أمس الثلاثاء، شاهد الجميع تلك الحشود البشرية الكبيرة التي ملأت قلب مدينة المكلا، في مشهد أربك السلطات المحلية بالمحافظة، ودفعها إلى نشر أعداد كبيرة من الجنود لتفريق المحتجين. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استُعين بسيارات الإسعاف وخراطيم المياه لتفريق التجمهر بالقوة، تزامناً مع حملة اعتقالات طالت رئيس نقابة المعلمين بساحل حضرموت الأستاذ عبدالله الخنبشي.
ويبقى السؤال: كيف لسلطة فاشلة أن تمارس مثل هذه الأفعال ضد أناس عزل خرجوا فقط للمطالبة بحقوقهم المشروعة، بعيداً عن أي شعارات أو مطالب سياسية قد تمنح السلطات مبرراً لاستخدام العنف؟ إن ما جرى يكشف بوضوح أن هذه المطالب لن تتوقف، وأن التربويين ماضون في حراكهم ولن تثنيهم العراقيل التي توضع في طريقهم، فإصرارهم اليوم هو الخطوة الأولى نحو النجاح وانتزاع حقوقهم كاملة.