لا يتفق أحد مع القتلة والمجرمين ومن يقف وراءهم، ولا يعذرهم أو يمنحهم الشرعية لما يحدث في تعز أو في غيرها و المشكلة تكمن في أن اليمن تسقط فريسة لثقافة العنف والقتل واستخدام الشباب والنشء، وتحويلهم إلى قتلة واداءة قتل. الحوثي ارتكب هذه الجريمة منذ أن كان في صعدة وفي حروبه الستة ايام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، واستمر في استخدام الشباب والنشء لتصفية الخصوم ودعم الجبهات وقتال اليمنيين و تدمر اليمن.
و كان المفترض أن يتوجه هؤلاء الشباب إلى التعليم وأن يكونوا في المدارس والجامعات، لكنه حوّلهم إلى ألغام موقوتة وقتلة واستنسخت الظاهرة لتنتشر في مناطق اخرى من اليمن بنسب و حيثيات مختلفة. وقد ضاعفت هذه الظاهرة استخدامَ بعض الأطراف الأخرى للشباب في صراعاتها و إقحام الشباب والنشئ في معارك الكبار وهي المشكلة الأعظم.
ما ارتكبه القاتل محمد صادق جريمة بكل المقاييس، وقد أحزننا جميعًا وأحزن الشعب اليمني ودماء الشهيدة أفتهان المشهري دعوة لتطهير تعز من كل الخبائث و الادران و دعوة لرص الصفوف واعطاء القدوة لبقية المحافظات المحررة ولكن الخطأ الأكبر حدث بعد الجريمة؛ كان المفترض محاولة القبض عليه وتقديمه للعدالة لفهم تفاصيل الجريمة، لكنَّ قتله أدى إلى إغلاق الملف، والآن سيَتناول الجميع القضية من زواياهم الخاصة، حيث هناك استغلال ومحاولات لتوجيه القضية باتجاهات أخرى.
الخطأ في التأديب مستمر منذ سنوات. منذ سنوات مبكرة، يهرب القتلة إلى مناطق التماس، والبعض ينتقل إلى الحوثيين. الحوثيون فرحوا بهروب غزوان واستقبلوه وتصاوَروا معه، ولا ننسى تلك الصور مع السلطان السامعي والمتوكل وغيرهم من القيادات الحوثية. هذا الأمر جعلنا نرى أن قتل محمد صادق كان محاولة لدرء الفتنة التي كانت قد انتشرت.
هناك أخطاء يرتكبها الجيش الوطني في التأديب ومن يقف وراءه. نحن نقدر دور المقاومة والشرعية ودور كل من وقف ضد الحوثي وحرر المدينة وأجزاء من البلاد، لكن أن تتحول هذه الانتصارات إلى مغانم، وأن تُوزَّع المناصب على أساسها، هو الخطأ بعينه.
يجب أن يُوضع الرجل المناسب في المكان المناسب بما يستحقه. هناك وكلاء في المحافظة لا يستحقون مواقعهم، ومحافظ لا يستحق هذه المحافظة المناضلة الشريفة التي قدمت تضحيات جسامًا. هناك مدراء عموم في مواقع مثل الأحوال المدنية وغيره لا يستحقون مناصبهم. يجب أن نُقدر التضحيات من خلال احترام القانون والنظام، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
ما حدث في قصة القاتل كان خطأً، لا يجب أن نتحول إلى غوغائيين أو نحول القضية إلى مساحة لانتهاك حياة الناس والتخندق في جراحات وعداوات الماضي، فهذا الشاب القاتل هو ضحية للتحريض الذي مارسه آخرون والشحن بطريقة سيئة، فثقافة البندقية والسيطرة والاستقواء بالسلاح استغلها الحوثي، ولا يجب أن نستخدمها في المقاومة الوطنية أو في الأحزمة الأمنية أو في أي فصيل عسكري يقاتل الحوثي و إذا أردنا قتال الحوثي وتحرير اليمن فيجب أن نقاتله بشجاعة الفرسان وأخلاقهم، وأن نسدّ الفراغات الأمنية والقضاء على الجيوب الرخوة في مناطق التماس وغيرها من الاختلالات الامنية والتراشق الاعلامي.
هذه الاستفزازات الموجودة في تعز تحدثنا عنها منذ معارك غزوان وغدر على القنوات الفضائية، وقد تحدثت في بعض الاذاعات المحلية ايضا، ونصحني البعض بعدم الخوض في هذا الموضوع لخطورته على سلامتي الشخصية حيث اني اسكن في نفس الأحياء المتهمة بالانفلات وتواجد القتلة و المنفلتين فيها، وهناك تسجيلات ايضا لتلك الاحاديث على وسائل التواصل الاجتماعي حيث أردت أن أقول إن هذه العناصر المنفلتة ستهشم وحدة الصف وتمنح المجرمين فرصة استخدام هذه الأعمال لتصفية بعض الرموز وسوف يستخدمهم الحوثي، وهذا ما حدث بالفعل؛ فقد تم تصفية ضياء الاهدل و عدنان الحمادي وغيرهم من قيادات عسكرية وامنية وناشطين لهم مكانتهم وتأثيرهم في معركتنا الأساسية ضد مليشيات الحوثي في تعز وفي غيرها من المحافظات المحررة ويهرب البعض منهم إلى مناطق سيطرة الحوثيين ويستقبلون من قبل قيادات الحوثي مثل سلطان السامعي و المتوكل وغيرهم. ولذا اقول أن التوازن مطلوب وأن نفهم أن معركتنا مع مليشيات الحوثي تتطلب الشجاعة وأخلاق الفرسان وروح التسامح ورص الصفوف وتناسي خلافات الماضي و جراحاته.
هذه المهاترات التي تتم الآن بين المكونات الداعمة لعودة الشرعية لا تخدم إلا الحوثي ولا تخدم أحدًا غيره، و يجب أن نعترف أننا وقعنا في مشكلة كبرى، ويجب ضبط هذه التصرفات المنفلتة وملاحقة القتلة ومن يقف وراءهم بعدالة وإنصاف، وتحكيم القانون والعدالة حتى لا نتحول إلى مليشيات منفلتة كما حدث مع مليشيات الحوثي الإجرامية.
أكتب هذه الكلمات نداءً للضمير الوطني والعدل المجتمعي ولعدالة قضية تحرير اليمن من مليشيات الحوثي ومن كل المليشيات التي انشأتها هذه العشرية السوداء ومنذ انقلاب مليشيات الحوثي الإرهابية وحصر و حكر البندقية في مؤسسات الدولة، ولإنقاذ شبابنا من الانزلاق إلى ثقافة السلاح. وإن أذنتم لي، سأقولها بطريقة أقل حدة: لا نصنع من الشاب قنبلة موقوتة ثم نتعجب عندما تنفجر في وجوهنا، لكن في كل الأحوال، يجب أن يكون العمل قانونيًا ومدنيًا ومؤسسيًا. فبدون عدالة، لا تتحقق مقاومة صحيحة ولا تقوم دولة عادلة.
أ.د.عبدالوهاب العوج
أكاديمي ومحلل سياسي يمني