آخر تحديث :الإثنين-03 نوفمبر 2025-11:57م

حماية أطفال اليمن في العصر الرقمي

الإثنين - 06 أكتوبر 2025 - الساعة 12:27 م
هبة العيدروس

بقلم: هبة العيدروس
- ارشيف الكاتب


                                                      د. هبة عيـدروس 

خبيرة وأكاديمية قانونية، باحثة متخصصة في قضايا المرأة والطفل ، حريات التعبير، الجرائم الرقمية


في عام 2023، كشفت التحقيقات في مدينة مانشستر البريطانية عن قضية خطيرة تمثلت في استخدام أحد الأفراد يدعى هيو نيلسون (27 عامًا) تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنتاج وتداول صور رقمية مسيئة لأطفال، جرى التلاعب بها رقميًا ونشرها عبر الإنترنت. وقد وجّهت إليه السلطات القضائية (16) اتهامًا تتعلق جميعها باستغلال الأطفال عبر الوسائط الإلكترونية وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، وصدر  في عام 2024 حكمٌ نهائيٌ في حقه بالسجن (18) عامًا.

تمثلُ هذه الواقعة سابقة قضائية بالغة الأهمية، إذ كشفت عن المخاطر المتنامية الناجمة عن إساءة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وعن ضرورة وجود أطر تشريعية جديدة في مواجهة الجرائم الرقمية التي تستهدف الأطفال وتهدد سلامتهم وحقوقهم الأساسية في الخصوصية والأمان. 


ويشير  مفهوم سلامة الأطفال من الإنترنت  إلى مجموعة من الإجراءات القانونية والتقنية والاجتماعية التي تهدف إلى حماية الأطفال دون ال (18) عام من الاستغلال والانتهاكات الرقمية. فوفقًا لتقرير اليونيسف لعام 2017 حول "الأطفال في العالم الرقمي"، فإن  (3:1) واحدًا من كل ثلاثة مستخدمين للإنترنت في العالم هو طفل، مما يجعل هذه الفئة أكثر عرضة للمخاطر الإلكترونية.


إن غياب الرقابة والتشريعات الصارمة يؤدي إلى تفاقم مخاطر الإنترنت، خاصة مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على إنشاء محتوى مزيف واقعي للغاية. حذّر تقرير يوروبول لعام 2024 (IOCTA 2024) من إساءة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج صور استغلال جنسي للأطفال، موضحًا أن النماذج التوليدية أصبحت تُنتج محتوى يصعب تمييزه عن الصور الحقيقية، مما يعقّد جهود الكشف والملاحقة. وأكد التقرير أن هذه المواد، حتى وإن كانت اصطناعية بالكامل، تُسهم في تشييء الأطفال وزيادة تداول المحتوى الاستغلالي عبر الإنترنت. ومع استمرار الجهود للشرطة الأوروبية تم اعتقال  (25) شخص في حملة عالمية ضد  مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال أنشئت باستخدام الذكاء الاصطناعي في 26 فبراير 2025 أطلق عليها عملية كمبرلاند.


كما أن الإفراط في استخدام الإنترنت  يُسبب مشكلات سلوكية ونفسية لدى الأطفال والمراهقين. حيث أظهرت دراسة تستند إلى 11 دولة أوروبية أن "استخدام الإنترنت المرضي" لدى المراهقين بلغ 4.4٪، مع بعض الاختلاف حسب البلد والجنس، وكان المراهقون الذين يفتقرون إلى الدعم العاطفي والنفسي هم الأكثر عرضة للخطر، وتساهم استخدام الهواتف الذكية من قبل المراهقين في إدمان الإنترنت.


من هذا المنطلق، تظهر أهمية سن تشريعات وطنية حديثة تحمي الأطفال والمراهقين من الجرائم الإلكترونية والاستغلال التقني. وقد تبنى الاتحاد الأوروبي في 2022 الاستراتيجية الأوروبية من أجل إنترنت أفضل للطفل BIK+، التي تُلزم المنصات بتطوير آليات أمان مخصصة للأطفال لضمان حمايتهم، احترامهم وتمكينهم. كما تؤكد اتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989 في المادة (16) على حق الطفل في الخصوصية وحمايته من التدخل أو الاعتداء على سمعته أو حياته الخاصة.


ولا يقل وعي الأسرة أهمية عن التشريعات، فالتثقيف الرقمي للوالدين والأطفال يمثّل خط الدفاع الأول ضد الأخطار الإلكترونية. وتوصي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بتضمين التربية الإعلامية والرقمية ضمن المناهج الدراسية (الأساسي والثانوي) كوسيلة لتعزيز السلامة الرقمية للأطفال، وتوفير التدريب اللازم للمعلمين لتنمية مهارات التفكير النقدي، وفهم الإعلام والمعلومات في العصر الرقمي.


ونخلص مما تقدم إلى أن حماية الأطفال والمراهقين من الجنسين من مخاطر الإنترنت والذكاء الاصطناعي تمثّل مسؤولية وطنية ودولية مشتركة. 


لذلك، نوصي سلطة الشرعية في اليمن، المعترف بها دوليًا، أن تعمل على إعداد مشروع قانون خاص بسلامة الأطفال على الإنترنت، يجرّم جميع أشكال الاستغلال الإلكتروني، وتشديد العقوبات على مرتكبيها. وإعداد مشروع قانون لحماية البيانات الشخصية، على أن توضع فئة الأطفال دون سن (18) عام ضمن الفئات الحساسة لضمان مستوى أعلى من الحماية.


كما ينبغي على الحكومة اليمنية إنشاء آليات وطنية لحماية الأطفال باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تطوير أنظمة رصد مبكر للمحتوى الضار أو الاستغلالي، ووضع مدونات سلوك وأطر أخلاقية تنظّم استخدام هذه التقنيات بما يضمن حماية الأطفال دون سن ال(18)  عام من الأضرار النفسية والاجتماعية المحتملة.


 وندعو الحكومة إلى الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بجرائم الإنترنت وحماية الأطفال رقمياً، مثل اتفاقية بودابست لعام 2001، والعمل بالتعاون مع المنظمات المدنية والشركات التقنية لنشر الوعي الرقمي، وتطوير برامج التدريب على الاستخدام الآمن للتكنولوجيا الحديثة.