في المشهد السياسي العربي المعاصر، يبرز عدد من الأشخاص الذين يمثلون نموذج الانتهازية السياسية : أفراد بلا مشروع أو قناعة ، يكتفون بأن يكونوا مجرد "قلم بيد محرك"، ينفذون ما يُملى عليهم وينطقون بما يُراد لهم أن ينطقوا به. هؤلاء الأشخاص لا يحملون همّ الاوطان ولا يشعرون بمعاناة الناس ، بل يجعلون من طاعتهم العمياء وتبعيتهم المطلقة سلماً للصعود إلى مكاسب شخصية، في حين تتهاوى الشعوب تحت وطأة الفقر والجوع .
الانتهازيون ليسوا مجرد أفراد منعزلين .. بل ظاهرة تتكرر في أنظمة تبحث دائماً عن أدوات مطواعة تنفذ أوامرها دون سؤال . هذه الفئة تفتقد لاي حس بالمسؤولية الأخلاقية أو الاجتماعية ، ولا قيمة لديهم للمبدأ أو الموقف، كل ما يهمهم هو الحفاظ على مصالحهم وتعظيم مكاسبهم . ومن المفارقات أن هؤلاء الذين يعيشون في بحبوحة وثراء من وراء افعالهم المشينة ، يتحدثون باسم الملايين الذين يبيتون على الحصيرة ولا يجدون قوت يومهم .
أخطر ما في هذه الظاهرة أنها تجعل مصير الشعوب مرهوناً بيد من لا يملكون رؤية أو ضمير. حين يتحدث الانتهازيون باسم الشعب ، تتشوّه الحقيقة، ويُطمس صوت المقهورين، ويُعاد إنتاج خطاب السلطة وكأنه تعبير عن الرأي العام.
تبدأ مواجهة الانتهازية ، بتوعية الشعوب ، وبتعرية وكشف زيف هؤلاء الأشخاص أمام الرأي العام . لكن المجتمع الذي يقبل أن يكون صوته بيد الانتهازيين ، إنما يحكم على نفسه بالبقاء رهينة لأقلية تبحث عن رزقها وسط جوع الملايين.
الرهان الحقيقي هو على يقظة الشعوب وإصرارها على انتزاع حقها في العيش الحر، ورفضها أن يُتاجر بمصيرها تحت أي غطاء . وحدهُ الموقف الصادق ، هو ما يبني الأوطان ويصون كرامة الإنسان.