آخر تحديث :الجمعة-17 أكتوبر 2025-01:00م

توأم الثورتين سبتمبر وأكتوبر .. وجدانٌ واحد ومصيرٌ لا ينفصم

الأربعاء - 08 أكتوبر 2025 - الساعة 02:12 م
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب


المقال الثاني من سلسلة (ثورة 14 أكتوبر المجيدة)


لم تكن ثورتا السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر حدثين متعاقبين في تقويم التاريخ فحسب، بل كانتا توأمًا خرج من رحمٍ واحدٍ هو الوجدان الثوري اليمني الحرّ، الذي رفض الاستبداد في الشمال كما رفض الاستعمار في الجنوب، وصنع لنفسه طريقًا واحدًا نحو الخلاص والكرامة.

لقد كانت الفاصلة الزمنية بين الثورتين لا تتجاوز عامًا واحدًا، لكنها في المضمون كانت لحظة واحدة ممتدة من الوعي الوطني الذي انبثق في الشمال ضد حكم الكهنوت الإمامي المظلم، وفي الجنوب ضد الاحتلال البريطاني الذي أراد أن يُبقي اليمن منقسمًا وممزقًا ليسهل إخضاعه.

إن ما ميّز الحركتين الثوريتين في الشمال والجنوب لم يكن فقط التشابه في الأهداف، بل التكامل في الأدوار.

حين دوّت صرخة الأحرار في صنعاء عام 1962 بإعلان الجمهورية، كانت أصداؤها تصل إلى عدن وابين وحضرموت وشبوة ولحج، تشعل الحماس في صدور الشباب وتغذي الإيمان بأن زمن الانعتاق قد حان.

وحين اندلعت ثورة 14 أكتوبر 1963 من جبال شمسان وردفان وفحمان، كانت صنعاء تمدّها بالسلاح والرجال، وكانت إذاعة الثورة في الشمال تبث نداءات الحرية إلى الجنوب المحتل.

وهناك رموز من الشمال في ميدان الجنوب

من الشماليين من كتب بدمه سطرًا خالدًا في ملحمة أكتوبر، فاستشهد وهو يقاتل تحت راية الحرية في عدن.

من هؤلاء الشهيد عبود الشرعبي، الذي خاض معارك الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني وسقط شهيدًا على تراب الجنوب الطاهر، مجسدًا أسمى معاني الأخوّة الثورية بين أبناء الوطن الواحد، وغيره الكثير.

وهؤلاء مثالًا حيًا على أن الثورة لم تكن جغرافيا، بل عقيدة نضالٍ تتجاوز حدود الأرض.

الجنوبيون في خنادق الشمال

وكما امتزجت دماء الشماليين بتراب عدن وردفان، امتزجت دماء الجنوبيين بتراب صنعاء وتعز والحديدة.

حين حوصرت العاصمة صنعاء عام 1967 فيما عُرف بـ"حصار السبعين"، كانت كتيبة من أبطال الجنوب تقاتل في صفوف الجيش الجمهوري دفاعًا عن الثورة والجمهورية.

محمد أمفضل عبيد الصالحي، خريج الكلية الحربية في مصر، يقود لواءً في السوادية، يزحف على مواقع الإمامة، يُحاصَر، يُطلب إليه الاستسلام فيأبى، ثم يقاتل حتى اللحظة الأخيرة وهو يعلم أن الرصاصة التي ستُسكت قلبه لن تُسكت الفكرة.

أحمد خيران العسل الحسني يروي بدمه جبال صنعاء وهو يتصدّى لجيوش الملكيين في حصار السبعين؛ يصعد الجبل كأنه يصعد سلّم السماء، ثم ينزل شهيدًا يترك وراءه طريقًا مفتوحًا للداخلين إلى المدينة.

التوأمة في القيادة والرمزية

لقد تجلّت الواحدية الثورية في رموزها أيضًا.

حين انتصرت ثورة سبتمبر وبدأت الجمهورية تتشكل في الشمال، تم تعيين قحطان الشعبي — وهو جنوبي من لحج — وزيرًا في حكومة الرئيس عبد الله السلال، في مشهد يختصر وحدة المصير السياسي والنضالي.

وبعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، تولّى عبد الفتاح إسماعيل ورفاقه من أبناء الحجرية وتعز أدوارًا قيادية في الجنوب المستقل، في مشهدٍ معكوسٍ يؤكد أن الثورة اليمنية ليست شمالية ولا جنوبية، بل يمنية في جوهرها وإنسانيتها ومشروعها.

لقد كانت الثورة جسر للوجدان لا جدار للسياسة

وإن وحدة النضال بين الشمال والجنوب لم تكن اتفاقًا سياسيًا مكتوبًا، بل كانت عهدًا وجدانيًا محفورًا في القلب اليمني.

لم تكن البنادق هي التي وحدت الثوار، بل كانت الهوية الواحدة والمعاناة الواحدة التي جعلت من الكفاح سبيلًا للحياة لا خيارًا في السياسة.

لقد آمن الثوار أن اليمن لا يمكن أن يتحرر نصفه ويظل نصفه الآخر مقيدًا، وأن الحرية إذا لم تشمل الجميع فإنها تتحول إلى امتيازٍ زائفٍ لا يصمد أمام رياح الوعي.

من سبتمبر إلى أكتوبر، ومن صنعاء إلى عدن، امتدت سلسلة النار والنور التي حررت اليمن من الاستبداد والاستعمار.

تلك التوأمة الثورية لم تكن صدفة تاريخية، بل قدرًا وطنيًا صنعه الأحرار بدمائهم وإيمانهم العميق بوطنٍ واحدٍ ومصيرٍ واحد.

وما أحوج اليمن اليوم إلى أن يستعيد ذلك الوهج الثوري النقي، الذي لم يعرف الشطرية ولا الحزبية، بل عرف فقط طريق الكرامة والحرية والعدالة.

✍️ عبدالعزيز الحمزة

الاربعاء ٨ اكتوبر ٢٠٢٥م