آخر تحديث :الإثنين-03 نوفمبر 2025-12:34ص

(الثورة) أكلت أبناءها..!

الثلاثاء - 14 أكتوبر 2025 - الساعة 01:54 م
عبدالله ناجي علي

بقلم: عبدالله ناجي علي
- ارشيف الكاتب



منذ الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م وحتى عام 1990م، ونحن نحتفل بثورة 14 أكتوبر 1963م بأسلوبٍ نمطيٍّ مكرر، سواء في مفردات الخطاب أو في سرد الأحداث التي رافقت الثورة. والسبب في هذا التكرار هو طبيعة النظام الشمولي الذي كنا نعيش في ظله آنذاك؛ حزب واحد، ورأي واحد، وخطاب واحد، لذلك كان النظام يردد خطابه الأوحد… ونحن نردد من بعده: آمين!


اليوم، ونحن نعيش هامشًا من حرية الرأي والرأي الآخر، أصبح من الضروري أن تتعدد الرؤى حول ثورة 14 أكتوبر، ليس في ثوابتها، وإنما في المتغيرات التي علقت بجسدها بعد الاستقلال. لقد بات مطلوبًا قبول تعدد وجهات النظر في تقييم مسار الثورة سلبًا وإيجابًا، لأن الثورة باتت اليوم بحاجة إلى ثورة تصحيح، بعدما وصلت إلى طريق مسدود بسبب الجهل السياسي لدى معظم الساسة، للأسف الشديد.


فمنذ الأيام الأولى للاستقلال، رافق مسار الثورة شعارٌ مرير هو: (الثورة أكلت أبناءها)، نتيجة للصراع الدموي بين تيار الشعارات الماركسية المتطرفة، والتيارات العقلانية التي كانت تسعى لتنمية اقتصادية حقيقية للشعب بعيدًا عن الشعارات الثورية الزائفة. والأسوأ من ذلك أنه تم تشويه تاريخ الثورة حين تم اختزاله في فصيلٍ واحد من فصائل النضال ضد الاستعمار، وهو الجبهة القومية – مع التقدير للمناضلين الشرفاء فيها – بينما جرى تهميش دور جبهة التحرير وحزب الرابطة واتحاد الشعب الاشتراكي، رغم دورهم الكبير والمشهود في النضال التحرري.


الكارثة الكبرى في الجنوب كانت حين انزلق التيار الماركسي المتطرف داخل الجبهة القومية إلى مربع “التسوّل الفكري”، فاستورد النظرية الماركسية من الخارج، وهي نظرية تتناقض مع ديننا الإسلامي الحنيف لأنها تقوم على مبدأ الصراع الطبقي بدلًا من التعايش الطبقي، وتتبنى أفكارًا إلحادية لا يقبلها ديننا ولا مجتمعنا. وبسبب هذا التوجه، عاشت الحياة السياسية في الجنوب دوامة من الصراعات المتتالية، حتى جاءت لحظة صحوة عام 1988م حين بدأ العقلاء في الحزب الاشتراكي مراجعة تجربتهم وتصحيح أخطائهم.


وللإنصاف، فقد سبقهم في هذا المسار تيار الرئيس علي ناصر محمد، الذي بدأ بالإصلاحات الاقتصادية في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، وحقق للشعب مستوى معيشيًا أفضل. غير أن هذا التوجه الإصلاحي واجه مؤامرة أخرجته من السلطة، كما حدث سابقًا مع الرئيس سالم ربيع علي (سالمين)، الذي قال عبارته الشهيرة: نريد أن نحقق تنمية للشعب… كفاية ضجيج الشعارات!، فكان ذلك سببًا رئيسيًا في اغتياله – رحمه الله.


العجيب أن كل من حاولوا تصحيح المسار في الجنوب والتفكير بعقلانية تجاه مصالح الناس، جرى إقصاؤهم واحدًا تلو الآخر. واليوم، ونحن نستذكر عيد الثورة الأكتوبرية، لا بد أن نعترف بأنها كانت ثورة عظيمة تم التغرير بها من قِبل قوى سياسية جعلت الإصلاح الاقتصادي عدوًا للتوجه الاشتراكي.


في الختام، يجب أن نعيد تصحيح مسار تاريخ الثورة الأكتوبرية، بإنصاف كل القوى السياسية التي ساهمت في مرحلة الكفاح المسلح وتم إقصاؤها بعد الاستقلال، وإعادة الاعتبار لمن ظُلموا سياسيًا رغم أنهم سعوا لتحسين حياة الناس. يجب أن تتحول مناسباتنا الوطنية إلى محطات مراجعة وتقييم لتجارب الإخفاق، كي تستفيد الأجيال الجديدة من دروس الماضي، وتنطلق نحو المستقبل بروحٍ جديدة بعيدةٍ عن صراعات الأمس، لبناء يمنٍ اتحادي جديد يقوم على حلٍّ عادلٍ للقضية الجنوبية يعيد للجنوب شراكته الندية مع الشمال.


عبدالله ناجي علي