آخر تحديث :الإثنين-15 ديسمبر 2025-05:31م

في صفحات التاريخ.. أبين تكتب المجد بالدم والنار

السبت - 18 أكتوبر 2025 - الساعة 11:38 ص
صلاح البندق

بقلم: صلاح البندق
- ارشيف الكاتب


في زمنٍ كانت فيه الحرية حلماً بعيداً، وكانت الأرض تُساق تحت وطأة الاحتلال البريطاني، نهضت أبين، لا لتصرخ فقط، بل لتقاتل، لتكتب أولى فصول الثورة الجنوبية بدماء رجالٍ لا يعرفون الانكسار.


منذ الأربعينات والخمسينات، كانت أبين من أوائل المناطق التي انتفضت ضد الاستعمار، لا بالكلمات، بل بالرصاص والمواقف. رجالها لم ينتظروا إذناً من أحد، ولم يطلبوا غطاءً سياسياً، بل حملوا بنادقهم الشخصية، وواجهوا قوةً استعمارية مدججة بالسلاح، في معارك امتدت لسنوات، حتى تفجرت ثورة 14 أكتوبر 1963م، التي كان لأبين فيها اليد الطولى والصوت الأعلى.


*معركة "أمكليبه" 1958م.. حين قُيّدت الأرجل وفُكّت القيود عن الكرامة*


في منطقة "دثينة"، وتحديداً في "أمكليبه"، عرف الاحتلال بوجود الثوار، فأرسل قوةً ضخمة، مدججة بمختلف أنواع الأسلحة، لحصار مجموعة صغيرة من الأبطال لا يملكون سوى أسلحة شخصية، وإيمان لا يُقهر.


كانوا محاصرين، لكنهم لم ينهاروا. بل قال قائدهم محمد ناصر الجعري قولته الخالدة:

*"قيدوا أرجلَكم.. إنها معركة وجود."*


فاستبسلوا، وقاتلوا، حتى انكسرت القوات الغازية، وانسحبت بعد يومٍ عصيبٍ من المواجهة، لتُسجل أبين نصراً جديداً في سجل الكرامة.


*هؤلاء هم الرجال الذين صنعوا المجد:*


محمد ناصر الجعري، محمد فضل الصالحي، منصور الفضل الصالحي، محمد عبيد الصالحي، علي محمد الصالحي، صالح حسين العطوي، أمكباب حسين العطوي، فضل قنان، قنان فضل قنان، أحمد ناصر الجعري، الشهيد عبدالنبي عبدالله الجعري، ناصر محمد السعيدي، محمد عمر السعيدي، سالم سعيد النقي، علي صالح المحوري، حيدره المحوري، علي محمد الجعري، سالم مقبل الجعري، وغيرهم ممن سطّروا البطولة في وجه الطغيان.


وقد جُرح في المعركة البطل فضل قنان، وتم إجلاؤه إلى منزل الشهيد هميش حسن الجعري في "المخربية"، بينما سقط أيضاً جرحى من الطرف المعتدي.


*الشعر يخلّد من لا يموت في الذاكرة*


هذه المعركة ألهمت الثائر والشاعر محمد فضل الصالحي، فأنشد في قائدها ورفاقه:

الليله البيضاء لبن ناصر يانود بالمشموم هزي له

ذي سا أمكليبه قلعة البيضاء

لما طلعها قيد رجيله.


*رحم الله أولئك الأبطال.. فقد كانوا رجالاً في زمنٍ عزّ فيه الرجال*


إننا اليوم، ونحن نقرأ هذه الصفحات، لا نُحيي ذكرى فقط، بل نُعيد إحياء روحٍ ثوريةٍ لا تموت.

أبين لم تكن هامشاً في التاريخ، بل كانت رأس الحربة، وكانت "أمكليبه" قلعةً من قلاع الكرامة التي لا تُنسى.


فليعلم الجميع :

أن من قاتلوا في الخمسينات، لم يفعلوا ذلك ليُذكروا في سطر، بل ليُعلّموا الأجيال أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع.