آخر تحديث :الإثنين-03 نوفمبر 2025-05:55م

التسامح الإسلامي الشامل .. رسالة عدل تتجاوز حدود العقيدة.

الأحد - 19 أكتوبر 2025 - الساعة 09:28 ص
منصور بلعيدي

بقلم: منصور بلعيدي
- ارشيف الكاتب


في زمن تتزايد فيه مظاهر التعصب والانغلاق، تبرز الحاجة الملحة إلى استعادة جوهر الإسلام الحقيقي: التسامح الشامل والعدل الإنساني. فالإسلام، في أصوله ومقاصده، لم يكن يوماً ديناً يحتكر الحقيقة أو يقصي الآخر، بل جاء ليكرم الإنسان ويؤسس لعلاقات قائمة على الرحمة والاحترام، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الانتماء.


*الإسلام لا يحتكر الحقيقة*

من المؤسف أن بعض المسلمين يظنون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة، فيتعصبون ضد من يخالفهم، متناسين أن الإسلام ذاته يقر بتعددية البشر واختلافهم كحتمية إلهية، لا كخلل يجب تصحيحه. يقول الله تعالى:

*"ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"*

بهذا النص القرآني، يضع الإسلام قاعدة ذهبية: الاختلاف سنة كونية، لا يجوز أن يكون سبباً للعداء أو الإقصاء.


*⚖️ الحساب لله وحده*

من أبرز مظاهر التسامح في الإسلام أن الحساب الأخروي ليس من مسؤلية البشر، بل هو من اختصاص الله وحده. وقد ورد في القرآن الكريم:

*"وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون، الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون"*

هذا التوجيه الإلهي يحرر المسلم من عبء محاكمة الآخرين، ويحثه على التعايش معهم بسلام، تاركاً لله أمر الفصل بينهم.


*تكريم الإنسان بصفته الآدمية*

الإسلام لم يكرم الإنسان لأنه مسلم، بل لأنه إنسان. يقول تعالى:

*"ولقد كرمنا بني آدم"*

ولم يقل "كرمنا المؤمنين"، مما يدل على أن الكرامة الإنسانية في الإسلام لا ترتبط بالعقيدة، بل بالإنسانية ذاتها. هذا المفهوم يفتح الباب واسعاً أمام احترام الآخر، مهما كانت ديانته أو معتقداته.


*موقف نبوي يلخص فلسفة التسامح*

في مشهد مؤثر، مرت جنازة يهودي أمام النبي محمد ﷺ، فوقف لها احتراماً. استغرب الصحابة وقالوا: "إنها جنازة يهودي"، فأجابهم النبي:

*"أليست نفساً؟"*

بهذه العبارة البسيطة والعميقة، لخص النبي فلسفة الإسلام في احترام الإنسان، أيّاً كان دينه.


*عدالة الإسلام تشمل الجميع*

الإسلام لم يكن يوماً ديناً انتقائياً في تطبيق العدالة.

بل نزلت تسع آيات في سورة النساء تدافع عن يهودي اتُهم زوراً بالسرقة، لتؤكد أن العدل لا يُقاس بالانتماء الديني.

يقول تعالى:

*"ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى"*

هذا المبدأ يضع العدالة فوق كل اعتبار، ويجعلها أساساً للتعامل مع الجميع.

والله جل وعلا وصف العلاقة مع غير المسلمين بالبر والقسط( العدل)

مشترطاً عدم مقتالة المسلمين فقط فقال:

(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)الممتحنة8


*نحو مجتمع متسامح*

إن نشر هذه القيم الفكرية والروحية بين المسلمين وغيرهم هو السبيل لبناء مجتمع متماسك، تسوده الرحمة والاحترام المتبادل.

فالتسامح ليس ضعفاً، بل هو قوة أخلاقية تنبع من فهم عميق للدين، ومن إدراك أن الإسلام جاء ليكون رحمة للعالمين، لا حكراً على فئة دون أخرى ، مصداقاً لقوله تعالى:

(وما أرسلناك الا رحمة للعالمين).