آخر تحديث :السبت-25 أكتوبر 2025-10:12م

"خابَ ظنِّي"

الثلاثاء - 21 أكتوبر 2025 - الساعة 12:13 م
محمد علي رشيد النعماني

بقلم: محمد علي رشيد النعماني
- ارشيف الكاتب



تعيش مدينة عدن منذ أيام على وقع أزمة خانقة في خدمات الكهرباء والمياه، في مشهدٍ يعكس حالةً من الانهيار الخدمي والإداري غير المسبوق. يومان متتاليان من الظلام والعطش كانا كافيين لكشف حجم العجز الحكومي، وإثارة موجة غضبٍ شعبي واسعة، وضعت الجميع أمام تساؤلٍ مشروع: أين الدولة؟

لقد خابَ ظنِّي في سلطات عدن، المدينة التي كانت يوماً ما واجهةَ الجنوب، ومركزَ الأمل، ونافذةَ البحر، فإذا بها اليوم تختنق بين العتمة والجفاف، وتنتظر وعوداً حكوميةً لا تأتي. خابَ ظنِّي لأن الناس، عند استقباِلهم تعيين الأستاذ سالم صالح بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء، تفاءلوا بأنه الرجل القادر على التغيير وإعادة بناء الثقة بين المواطن والسلطة، لكن الواقع اليوم يُظهر أن تلك الثقة بدأت تتلاشى مع استمرار الفشل في أبسط الملفات الخدمية.

كيف يمكن لعاصمةٍ أن تعيش في ظلامٍ دامس دون كهرباء أو ماء لأكثر من يومين؟ أين خطط الطوارئ؟ أين الشفافية في إدارة موارد الطاقة؟ أين المسؤولية تجاه المواطنين الذين يدفعون ثمن سوء الإدارة عاماً بعد عام؟ إن غياب الإجابات عن هذه الأسئلة يكشف عن خللٍ عميق في منظومة اتخاذ القرار، وعجزٍ مزمن عن التعامل مع الأزمات المتكررة بروح الدولة.

ما يزيد مرارة المشهد أن مجلس القيادة الرئاسي يكتفي بإصدار بياناتٍ وتصريحاتٍ لا تمس جوهر المعاناة، بينما تتعمّق الأزمة يوماً بعد آخر. المواطن لا يريد وعوداً جديدة ولا لجاناً شكلية، بل يريد كهرباء في بيته وماءً في صنبوره. يريد أن يشعر بأن هناك من يراه، ويسمع صوته، ويدرك قسوة ما يعيشه.

أما المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يمثل الوجود الفعلي في الميدان، فيتحمّل بدوره جزءاً من المسؤولية. فالمواطن لا يُفرّق كثيراً بين سلطات متداخلة؛ كل ما يراه هو أن معاناته مستمرة. كان الأمل أن يساوي الانتقالي بين القوة السياسية وإدارة الخدمات بفاعلية تُحدث الفارق وتقدّم حلولاً واقعية، لكن الأداء ما زال دون مستوى التوقعات.

إن ما يحدث في عدن لم يعد مجرد أزمة خدمات، بل أزمة ثقة. فحين يفقد المواطن إيمانه بقدرة الدولة على إنارة بيته أو توفير الماء لأطفاله، فإنه يفقد في الوقت نفسه ثقته بكل مؤسساتها. وهذا الانهيار في الثقة أخطر من انقطاع الكهرباء ذاته، لأنه يمهّد لاحتقانٍ اجتماعي وسياسي واسع لا يمكن التكهن بنتائجه.

وعليه، فإن الواجب الوطني يفرض على رئيس مجلس الوزراء الأستاذ سالم صالح بن بريك ومعه مجلس القيادة الرئاسي أن يتحركوا فوراً بإعلان حالة طوارئ حقيقية، لا إعلامية، لإعادة الخدمات الأساسية إلى المواطنين، ووضع خطة عاجلة لتأمين الوقود وتشغيل المحطات وصيانة شبكات المياه والكهرباء. كما يجب فتح تحقيق شفاف في أسباب هذا التدهور، ومحاسبة المقصّرين مهما كانت مواقعهم.

إلى جانب ذلك، يُفترض بالمجلس الانتقالي أن يترجم حضوره الشعبي والسياسي إلى فعلٍ إداري ملموس، وأن يُظهر للجمهور أنه ليس جزءاً من المشكلة، بل جزءاً من الحل. فعدن بحاجة إلى شراكةٍ مسؤولة في إدارة أزماتها، لا إلى تبادل اللوم أو التبريرات.

ختاماً، خابَ ظنِّي في عدن، نعم، لكن الأمل لم يمت بعد. فما زالت هذه المدينة قادرة على النهوض، إذا وُجدت إرادة صادقة وقيادة جريئة تدرك أن الكرامة لا تنفصل عن الخدمات، وأن إنارة بيتٍ في عدن هي إنارة لثقة شعبٍ بأكمله. وإن استمر الصمت والعجز، فإن التاريخ سيسجّل أن عدن، التي كانت منارة، أُطفئت بأيدي أبنائها وبإهمال من يُفترض أنهم حرّاسها ..

بقلم / محمد علي رشيد النعماني ..


أرجو أن يحظى المقال باهتمامكم للنشر.


مع خالص التقدير،