آخر تحديث :السبت-08 نوفمبر 2025-05:13م

في اليمن.. اسمك أصبح جريمة

الثلاثاء - 21 أكتوبر 2025 - الساعة 02:35 م
اللواء الركن سعيد الحريري

بقلم: اللواء الركن سعيد الحريري
- ارشيف الكاتب


اللواء الركن :سعيد محمد الحريري


في وطنٍ أنهكته الحروب، ومزّقته الصراعات، وتحوّلت فيه السياسة إلى تجارة، والأخلاق إلى سلعة، بات الاسم وحده تهمةً كافية لإدانة الإنسان قبل أن يُسأل عن فكره أو موقفه أو سلوكه.

في اليمن اليوم، لا يُحاسب الناس على ما يفعلون، بل على ما يحملون من أسماء، وكأنّ الانتماء الأسري أو المناطقي أصبح بطاقة اتهام وجواز عبور إلى الظلم والإقصاء.


حادثة الكابتن الطيار محمد عباس المتوكل ليست مجرد واقعة عابرة في مطار عدن، بل هي صفعة مؤلمة على وجه الضمير اليمني كله. رجلٌ أفنى عمره في خدمة الطيران المدني، قدّم لبلده خدماتٍ مهنية مشرفة، وكان عنواناً للانضباط والخلق، فإذا به يُهان ويُختطف ويُمنع من السفر، فقط لأن اسمه “المتوكل”!

هل بلغنا هذا الحد من الانحدار؟

هل صرنا نحاكم الناس بالاسم لا بالفعل؟


هذه الحادثة ليست استثناءً، بل هي انعكاس لمرضٍ متفشٍ في الجسد اليمني. مرض العنصرية المناطقية والمذهبية التي زرعتها الحروب في النفوس، وسقتها الكراهية السياسية بدماء اليمنيين. لقد صار بعضنا ينظر إلى الآخر لا كأخٍ في الوطن، بل كخصمٍ أو عدوٍ لمجرد انحداره من منطقةٍ أو أسرةٍ أو قبيلةٍ معينة.

وهذا ما لم يعرفه اليمنيون من قبل، فما كان ابن تعز ولا ابن صعدة ولا ابن عدن ولا ابن مأرب يوماً يُسأل عن هويته حين يتنقل في وطنه. كنا شعباً يجمعنا العرف والكرامة، لا تفرّقنا المسميات، وكان الاسم رمزاً للفخر، لا سبباً للخطر.


إن ما حدث للكابتن المتوكل يعبّر عن تحوّلٍ خطير في طبيعة المجتمع اليمني. فحين يصبح الاسم جريمة، تسقط العدالة، ويختنق الوطن.

الذين برّروا أو سكتوا عن هذه الجريمة، يشاركون في جريمةٍ أكبر: قتل قيم اليمنيين الأصيلة التي كانت تتجلّى في النخوة، والشهامة، والكرم، والنجدة للمظلوم مهما كان أصله أو لونه أو مذهبه.


ما نحتاجه اليوم ليس فقط إدانة الواقعة، بل وقفة وطنية شجاعة ترفض هذا الانحدار الأخلاقي والإنساني. يجب أن نعيد الاعتبار لفكرة “المواطنة” التي لا تُقاس بالاسم ولا بالمذهب، بل بالانتماء لهذا التراب الواحد.


ليعلم من يزرع الكراهية أن النار التي يشعلها اليوم في وجه خصمه، ستصل غداً إلى بيته.

وليعلم من يسكت عن الظلم أنه سيكون غداً أول ضحاياه.


إن الدفاع عن الكابتن محمد عباس المتوكل، ليس دفاعاً عن شخصٍ أو أسرة، بل دفاع عن إنسانية اليمني وحقه في العيش بكرامة في وطنٍ لا يُحاسبه على اسمه.

ولْيكن هذا الحادث المشين جرس إنذارٍ لنا جميعاً:

إذا استمرّ هذا المسار، فلن يبقى في اليمن وطنٌ نعيش فيه، بل جزرٌ من الكراهية تتناحر فيها الأسماء، وتضيع فيها القيم.


اليمن أكبر من كل الألقاب والانتماءات، وأسمى من كل نزعات الكراهية.

دعونا نستعيد ما تبقّى من إنسانيتنا قبل أن نصحو ذات يومٍ فنكتشف أننا فقدنا اليمن، وفقدنا أنفسنا معه.