بقلم : ناصر علي العولقي ( ناشط إعلامي )
أمام فورة البيانات الأمنية العشوائية التي تتدفق علينا بين الحين والآخر، يصبح من الواجب وقفة تأمل أمام هذه الظاهرة التي تختزل قضايا مجتمعية معقدة في خبر صحفي مختزل. فبيان شرطة الآداب الأخير حول قضية الإمام في شبوة، رغم أهميته في إظهار جدية الجهود الأمنية، يطرح أسئلة جوهرية عن مدى حكمة تحويل القضاء إلى ساحة إعلامية مفتوحة.
لا شك أن محاربة الفساد واجب مقدس، والتصدي لاستغلال المناصب الدينية والتعليمية ضرورة أخلاقية، لكن الفرق شاسع بين الشفافية المطلوبة وبين التحول إلى منصة إعلامية تسابق القضاء في إصدار الأحكام. فما يحدث اليوم من نشر تفاصيل اتهامات تمس الشرف والأخلاق قبل أن تثبت في محكمة مختصة، ليس سوى إهدار لمبدأ "افتراض البراءة" الذي يشكل حجر الزاوية في أي نظام عدلي يستحق هذه الصفة.
إن هذه الممارسة لا تؤثر فقط على حقوق المتهمين، بل تمتد آثارها لتشوه صورة مجتمع بأكمله. فتحويل قضايا فردية إلى قضايا رأي عام يخلق انطباعاً مشوهاً عن المجتمع، وكأنه خرج عن حدود القيم والأخلاق. وهذا ليس خدمة للمجتمع، بل هو انتهاك جديد لحقه في الحفاظ على سمعته وكيانه الأخلاقي.
الأخطر من ذلك أن هذه البيانات تتحول إلى أداة في الصراعات السياسية والمؤسسية الداخلية، حيث يتم توظيفها في معارك جانبية لا علاقة لها بجوهر العدالة. وهذا يحول القضاء من مؤسسة مستقلة إلى أداة في يد من يمتلكون سلطة الإعلام والإعلان.
إننا لا ندعو إلى التستر أو الصمت، بل نطالب بحكمة أكبر ومسؤولية أعمق. يجب أن تكون أولوياتنا هي حماية المجتمع من الداخل، والحفاظ على هيبة القضاء، واحترام حقوق جميع الأطراف. نحتاج إلى توازن دقيق بين متطلبات الشفافية وضرورات العدالة، بين حق المجتمع في المعرفة وحق الأفراد في محاكمة عادلة.
فهل نستطيع أن نجد هذه المعادلة الصعبة؟ الإجابة عند من يتحملون مسؤولية الكلمة والإعلان، وعند من يملكون سلطة القرار والتوجيه. فالكلمة أمانة، والإعلان مسؤولية، والعدالة ليست غاية فحسب، بل هي منهج وطريق.
ناصر علي العولقي
25 أكتوبر 2025م