اليمن... أولاً..
أدرك جيدًا حجم الحراك الفكري والدعوي الذي يمثله الشيخ كمال باهرمز، وعودته مؤخرًا من تركيا بعد تسجيل حلقات مهمة تناولت الشأن اليمني من منظور ديني ووطني متوازن، شعرت أن هذا الصوت لا بد أن يلتقي بصوت وطني آخر له ثقله وتأثيره في مسار الاقتصاد والعمل الخيري والإنساني والوطني، وهو الشيخ أحمد صالح العيسي.
كنت على يقين أن الجمع بين هاتين الشخصيتين سيكون لقاءً استثنائيًا بين الفكر والدعوة، بين من يقود بعقله نحو الهداية والرحمة، ومن يعمل بجهده وماله لبناء الوطن ودعم الإنسان.
وعندما تواصلت مع مكتب الشيخ أحمد صالح العيسي وأبلغت برغبتي في ترتيب هذا اللقاء، لم يتردد الشيخ أحمد صالح العيسي لحظة واحدة، بل رحّب بحرارة، وأشعرني بأنه يدرك أهمية هذه اللقاءات كواجب وطني وديني، وأن التواصل مع العلماء والدعاة والمصلحين هو جزء من مسؤوليته تجاه الوطن والمجتمع.
لقد كان اللقاء وديًا، صادقًا، ومفعمًا بالإحساس العميق بالمصير اليمني المشترك. تناولنا فيه قضايا متعددة، أبرزها دور الخطاب الديني الوسطي في ترميم الوعي الوطني.
الشيخ العيسي لم يكن في يومٍ من الأيام يرى في الاقتصاد مجرد تجارة وأرقام، بل رسالة أخلاقية لبناء الإنسان قبل البنيان.
أما الشيخ كمال باهرمز، فقد كان حديثه يفيض نورًا وصدقًا، واستشعرت فيه روح العالم العامل الذي يريد أن ينقذ الناس بالكلمة والموعظة الحسنة، لا بالصدام أو الانغلاق.
لقد كان هذا اللقاء بالنسبة لي لحظة إدراك جديدة بأن الوطن بحاجة إلى من يوحّدون بين العلم والعمل، بين الفكر والرحمة، بين الدعوة والبناء.
وفي زمنٍ تمزقت فيه الأصوات بين السياسة والمصلحة، كان لقاء الشيخ كمال باهرمز والشيخ أحمد صالح العيسي تذكيرًا بأن هناك رجالًا لا يزالون يحملون همّ الوطن بصدقٍ ومسؤولية.
نعم، الحاجة ماسّة إلى خطاب ديني معتدل يخدم الكلمة السواء الجامعة للمصلحة الوطنية والقومية اليمنية، بعيدًا عن التعصب والتطرف، في زمنٍ يمني جعل كثيرًا من التيارات توظّف الدين والمذهبية لصالح أهداف سياسية مزّقت اليمن.
ومن هنا ندرك أهمية مثل هذا اللقاء بين شخصين، كلٌّ منهما خدم الوطن، كل الوطن، بكل أطيافه وألوانه الجهوية والمذهبية والاجتماعية والفكرية، على قاعدة الاجتماع والوفاق والتعاون.