اليمن.... أولاً..
ليس إطلاق "طيران عدن" مجرد حدث اقتصادي أو مشروع نقل جوي؛ بل هو إشارة سياسية عميقة في زمنٍ استُهلك فيه الجنوب بخطاب الشعارات والوصايات.
فالمشهد الجنوبي اليوم لا يُقرأ فقط من زاوية الاقتصاد أو الخدمات، بل من زاوية من يملك حق تمثيل الجنوب: من يرفع الشعارات؟ أم من يخلق الإنجاز؟
منذ سنوات، تعيش الساحة الجنوبية بين تيارين متمايزين:
تيار الخطاب والصوت العالي، الذي يتغذى على لغة الثورية القديمة، ويرى الحكم استحقاقًا مناطقيًا أو شعاراتيًا، يعتمد في بقائه على التحريض والتخوين وتصدير الأزمات الى الغير ليغطي على فشله
وفي المقابل، تيار الإنجاز والفعل، الذي يؤمن أن الشرعية تُكتسب بالكفاءة لا بالصراخ، وبالقدرة على بناء مؤسساتٍ تخدم الناس، لا الزعامات.
مشروع “طيران عدن” جاء كأول تعبير واقعي عن هذا التيار الثاني؛ تيارٍ يرفض منطق الصراع العبثي، ويتجه نحو الاقتصاد كميدانٍ للسيادة والتنمية.
إنه صوت الجنوب الذي هو جزء من اليمن الكبير ويريد أن ينهض من تحت ركام الشعارات، ويقول للعالم: “نستطيع أن نبني مؤسساتنا بأيدينا، لا بأوامر الخارج ولا بخطابات الماضي.”
فالفعل، ببساطة، أقوى من الدعاية.
هذا المشروع لا يمثل فقط تحولًا اقتصاديًا، بل تحولًا في الوعي الجنوبي:
من وعي المظلومية والمناطقية والشللية واستعادة الدولة والجنوب العربي والانفصال إلى وعي البناء والشراكة مع كل اليمن
من ثقافة الصوت العالي إلى ثقافة الإنجاز الصامت،
ومن الجنوب المعلق في الماضي إلى الجنوب القادر على إنتاج مستقبله.
“طيران عدن” إذًا ليس شركة فحسب، بل بيان سياسي جديد بلغة الفعل، يُعلن ميلاد تيارٍ جنوبيٍ واقعيٍّ يملك أدوات الدولة: كفاءة، إدارة، واستثمار.
تيارٍ لا يحتاج أن يصرخ ليُثبت وجوده، لأن وجوده يُرى في الأرقام والمشاريع لا في البيانات واللافتات.
لقد سقط زمن من يختصر الجنوب في فصيلٍ أو منطقةٍ أو شعار.
وجاء زمن من يقول: "من يخدم الناس هو من يستحق تمثيلهم."
وبين هذين التيارين، يقف طيران عدن كحدٍّ فاصلٍ بين من يريد أن يُقلع بالجنوب، ومن يريد أن يبقيه على مدرج الشعارات لا يُغادره.