آخر تحديث :الإثنين-15 ديسمبر 2025-05:31م

ثمانية اجتماعات في أربعة أيام .. ولا راتب في الأفق!

الأحد - 02 نوفمبر 2025 - الساعة 09:36 ص
صلاح البندق

بقلم: صلاح البندق
- ارشيف الكاتب


في بلادٍ تُقاس فيها الإنجازات بعدد الكراسي حول الطاولة، لا بعدد الأرغفة على الطاولة، اجتمع المجلس الرئاسي ثماني مرات في أربعة أيام. نعم، ثمانية اجتماعات كاملة، مدججة بالمايكروفونات، محاطة بالكاميرات، ومزينة بابتسامات بروتوكولية لا علاقة لها بالجوع، ولا بالجنود، ولا بالمواطن الذي نسي شكل الراتب.


يتحدثون عن الاقتصاد وكأن التضخم مجرد سوء تفاهم، وكأن الأسعار ترتفع خجلاً لا جشعاً. يناقشون الوضع العسكري وكأن الجندي لا يحتاج إلى راتب، بل إلى خطاب تحفيزي و"هاشتاق" تضامن. أما الرواتب؟ فهي في إجازة مفتوحة، تنتظر أن يُعاد إدراجها في جدول أعمال مزدحم بالعبارات المنمقة والوعود المؤجلة.


القطاع المدني يئن من فرط الصبر، والعسكري يختنق من فرط الصمت، والمواطن .. المواطن صار خبيراً في قراءة الوجوه، يعرف من نظرة المسؤول إن كان الشهر سيمر بسلام أم بديون جديدة.


*هل نحتاج إلى اجتماعٍ تاسع ليقرروا أن الناس تأكل؟*

أم إلى لجنةٍ جديدة لتدرس كيف يعيش المواطن بلا دخل، بلا كهرباء، بلا أمل؟

أم إلى مؤتمر دولي بعنوان: "فن إدارة الأزمة دون حلها"؟


صوروني وأنا أخرط، فربما يُعتمد كلامي كوثيقة رسمية في الاجتماع القادم.

صوروني وأنا أتكلم عن العدالة الاجتماعية، وأنا أرتدي بدلة من وعود قديمة، وربطة عنق من شعارات مستهلكة.

صوروني وأنا أصفق بعد كل جملة فارغة، فالتصفيق صار أهم من الإنجاز، وأعلى صوتاً من صراخ الجياع.


في هذا البلد، تُصرف الكلمات بدلاً من الرواتب، وتُوزع الاجتماعات بدلاً من الحلول.

كل اجتماع يُنهيه بيان ختامي أنيق، مليء بالحرص، والاهتمام، والنية الطيبة.. لكن لا أحد يدفع الإيجار بالنية، ولا تُشترى الخبزة بالحرص.


*ثمانية اجتماعات في أربعة أيام؟*

لو اجتمعوا على صحن فول لكان أكثر فائدة.

لو اجتمعوا على صمتٍ جماعي لكان أصدق.

لكنهم اجتمعوا على لا شيء، وخرجوا بلا شيء، وتركوا الناس تبحث عن أي شيء.


في النهاية، لا نريد أكثر من حقنا في الحياة. لا نريد اجتماعات، بل قرارات. لا نريد لجاناً، بل أفعالاً.

وحتى ذلك الحين..

صوروني وأنا أخرط، فربما أصبح وزيراً ذات يوم.


*وفي ختام الاجتماعات الثمانية، خرج الناطق الرسمي ليقول:*


" نحن نتابع عن كثب معاناة المواطنين، ونعمل جاهدين على تشكيل لجنة لدراسة إمكانية تشكيل لجنة أخرى للنظر في أسباب تأخر الرواتب " .


يا له من إنجاز بيروقراطي يستحق التصفيق.. بلا صوت، طبعاً، حفاظاً على ميزانية الحبر والورق.