اليمن أرض التميّز بموقعها الجغرافي الذي يربط تجارة الشرق بالغرب والعكس، وبما تتمتع به من تضاريس متعددة ومناخ متنوع، وثروات وخيرات لا تُحصى في الجبال والسهول والوديان، فوق الأرض وفي باطنها وفي البحر. ومدن اليمن، منها من عرفت الحضارات منذ القدم، ومنها من كانت من أوائل المدن التي شهدت التطور والرقي والمدنية قبل غيرها في المنطقة.
الأهم أن اليمن، بأرضها الواسعة وخيراتها الوفيرة، كانت وما زالت تسع الجميع بعيدًا عن أي تعصب أعمى حزبي أو مناطقي أو قبلي أو ديني أو مذهبي أو طائفي يسعى للفرقة والشتات وخلق النعرات والفتن، خدمةً لأجندات خارجية لدويلات حديثة العهد بالوجود، لا وجه للمقارنة بينها وبين اليمن من حيث التاريخ والحضارة والموقع الجغرافي وتعدد المناخ والتضاريس والثروة والكثافة السكانية. تلك الدويلات، نتيجة شعورها بالنقص وصِغَر شأنها أمام اليمن من كل النواحي، ترى أن وجودها وتطورها مرهون بتدمير اليمن أرضًا وشعبًا واقتصادًا، من خلال إغراق الشعب اليمني في مستنقع الفتن والنعرات والاقتتال الداخلي على السلطة، وفرض الهيمنة والنفوذ عليه عبر العمالة والارتزاق وتعاون العملاء المحليين أصحاب الظهور المنحنية التي تُداس بلا كرامة.
وهنا تقاطعت مصالح الأجندات الاستعمارية الدولية مع مصالح الأجندات الإقليمية العدائية الصغيرة ضد اليمن، في إطار الصراع العالمي لفرض السيطرة على الممرات المائية. وهكذا، أصبح اليمن اليوم غارقًا في مستنقع التخلف والصراعات المسلحة وسلطة الأمر الواقع، في ظل لا سلم ولا حرب، ولا دولة ولا سيادة وطنية، ولا قرار مستقل، وتحت البند السابع بوصاية أربع دول هي من أشعلت نار الفتنة فيه، وما زالت تصب الوقود فيها لتزيد اشتعالها، حتى تحرق الأخضر واليابس.
منذ ستينيات القرن الماضي، ارتبطت الأحزاب السياسية اليمنية بالأجندات الخارجية من بوابة العمالة والارتزاق بدافع شهوة السلطة، فسقطت البلاد في دوامة الصراعات المسلحة على الحكم، وضاعت السيادة الوطنية والقرار المستقل، وأصبح الشعب اليمني ضحية بين مطرقة التخلف وسندان الفقر بسبب فساد الأحزاب السياسية.
غير أن اليمن تسع الجميع، متى ما أُغلقت بوابة العمالة والارتزاق أمام الأفراد والأحزاب السياسية من باعة الأوطان والسيادة الوطنية، حينها سيتوحّد الجميع على حب الوطن والحفاظ على القرار الوطني المستقل وخدمة الشعب الطيب الصابر.
ولن يتحقق ذلك إلا عندما نتفق، أنا وأنت وهو، على أن من حقنا جميعًا أن نعيش حياة كريمة بسلام وأمان ورخاء وتطور تحت مظلة عدالة القانون. ويمكن تحقيق ذلك على أساس ما يلي:
1. تكون إدارة وأمن كل مدينة يمنية بيد أبنائها، في ظل يمن اتحادي فيدرالي، دون نظام الأقاليم الذي يُعد بوابة لفرض هيمنة القوي بالسلاح على الضعيف كما هو الحال في عدن منذ 30 نوفمبر 1967م حتى اليوم.
2. يعمل أبناء كل مدينة على تطوير مدينتهم من خلال إدارتهم لها، بدلًا من هجرتها والذهاب إلى مدن أخرى والاستقواء بالمليشيات المسلحة لفرض الوجود فيها وتهميش أبنائها.
3. إخلاء المدن من المعسكرات كليًا، ولا تبقى فيها سوى مراكز الشرطة بقيادة أبنائها.
4. في ظل إدارة كل مدينة يمنية من قبل أبنائها، وتطويرها والحفاظ على أمنها، يحق لكل يمني أن يعيش في أي مدينة يمنية لسببٍ كان، مكرمًا معززًا تحت مظلة عدالة القانون.
ويجدر القول إن مضمون هذا المقال مستوحى من واقع مظلومية عدن – أرض، وشعب، وهوية – التي نعيشها منذ الاستقلال الضائع في 30 نوفمبر 1967م حتى اليوم، وكذلك مظلومية أبناء بعض المدن اليمنية الذين حُرموا من إدارة مدنهم وتطويرها والحفاظ على أمنها، نتيجة تهميشهم وإقصائهم والاستقواء عليهم بشتى الوسائل، كما هو حال مدينة عدن.
وفي الختام، يظل السؤال الذي يفرض نفسه بقوة:
هل يمكن أن نعيش، أنا وأنت وهو، كلٌ في مدينته، يديرها ويطورها ويحافظ على أمنها بحرية وسلام وأمان تحت مظلة عدالة القانون، في يمن اتحادي فيدرالي؟
✍️ عبدالكريم الدالي