اليمن... أولاً..
في السادس من نوفمبر 2025، شهدت القاهرة لحظة فارقة في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين مصر وقطر، بتوقيع اتفاقية استثمارية تُعد من أضخم ما شهدته المنطقة خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت قيمة المشروع نحو 29.7 مليار دولار لتطوير منطقة علم الروم بمحافظة مطروح على الساحل الشمالي الغربي، في مشروع يعكس ثقة الدوحة في الاقتصاد المصري، ورؤية القاهرة لجعل سواحلها بوابات للنهضة والتنمية.
الاتفاقية تمثل نقلة نوعية من مجرد تفاهمات اقتصادية إلى شراكة استراتيجية حقيقية. المشروع الذي ستنفذه شركة الديار القطرية يمتد على مساحة تقارب 20 مليون متر مربع، تشمل مجمعات سكنية راقية، ومنشآت سياحية وترفيهية ضخمة، وبنية تحتية متكاملة تضم مستشفيات وجامعات ومدارس ومقرات خدمية، مع تخطيط عمراني متطور يجعل من الساحل الشمالي وجهة استثمارية عالمية.
القيمة الإجمالية تتوزع بين 3.5 مليار دولار نقدًا تُسدد قبل نهاية العام، و1.8 مليار دولار عينيًا في شكل وحدات عقارية، بالإضافة إلى 15% من صافي الأرباح لصالح هيئة المجتمعات العمرانية المصرية بعد استرداد التكاليف. المشروع، بحسب التصريحات الرسمية، سيوفر ما يفوق 250 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، ما يخلق ديناميكية جديدة في سوق العمل ويعزز الاقتصاد المصري بالنقد الأجنبي.
رئيس الوزراء المصري د. مصطفى مدبولي وصف الاتفاق بأنه شهادة ثقة دولية في الاقتصاد المصري وتجسيد لرغبة القيادة السياسية في فتح آفاق التعاون العربي المشترك. أما الجانب القطري، فأكد أن المشروع جزء من رؤية الدوحة لتنويع استثماراتها الإقليمية وتعزيز العلاقات مع مصر باعتبارها قلب العالم العربي ومركز الثقل في الشرق الأوسط.
اقتصاديًا، يحمل الاتفاق ثلاث رسائل مهمة:
الأولى، أنه يعيد تأكيد مكانة مصر كبيئة جاذبة للاستثمار رغم التحديات العالمية.
الثانية، أنه يعزز من تنويع محفظة الاستثمارات القطرية بعيدًا عن النفط والغاز.
والثالثة، أنه يقدم نموذجًا للتكامل العربي يمكن أن يُبنى عليه مستقبلًا في قطاعات السياحة، والبنية التحتية، والعقارات الذكية.
لكن النجاح لا يتوقف عند التوقيع، بل في قدرة الطرفين على تحويل الورق إلى واقع. فالمشروعات العملاقة كثيرًا ما تواجه عقبات تتعلق بالبيروقراطية أو التمويل أو استدامة الإدارة. ومن هنا تبرز أهمية المتابعة الميدانية والحوكمة الصارمة لضمان أن يحقق المشروع أهدافه التنموية والاجتماعية، وأن لا يتحول إلى مجرد واجهة عمرانية بلا مضمون.
إن ما يميز هذه الاتفاقية أنها جاءت في لحظة حساسة إقليميًا، حيث تتجه المنطقة لإعادة صياغة علاقاتها الاقتصادية بعيدًا عن التوترات السياسية السابقة. فعودة الاستثمارات القطرية إلى القاهرة تمثل رسالة طمأنة لكل المستثمرين العرب بأن مصر بلد الاستقرار، والأمن، والمستقبل الواعد.
ختامًا.. مصر وقطر اليوم لا تكتبان مجرد عقد استثماري، بل صفحة جديدة في سجل التعاون العربي عنوانها التنمية المشتركة، ومضمونها الإيمان بأن المستقبل العربي يُبنى بالأيدي العربية.