يعتبر الفقر من الأدوات التي يستخدمها الطغاة لإخضاع الشعوب. وفي المقابل، فإن محاربة الوعي لدى الشعوب تعد من استراتيجياتهم؛ فإذا تمكن الطغاة من رفع مستوى الوعي لدى الناس وتوفير الاستقرار لهم، فإن ذلك سيؤدي إلى بداية العد التنازلي لظهور الوعي الذي تخشاه الأنظمة المستبدة. فالثورة لا تصنعها حالة الفقر، بل يصنعها الوعي. تسعى الأنظمة الاستبدادية إلى جعل الشعب فقيرًا وجاهلًا، وهذا يتم عبر مؤسسات أنشئت خارج إطار النظام والقانون. تعمل هذه المؤسسات على تعزيز الخضوع للطاغية، حتى يصبح الأفراد جنودًا مخلصين له. على مر العصور، كانت مهمة الطغاة هي إغفال وعي الشعوب، لأن الوعي هو الذي يدفع نحو الثورة والمطالبة بالتغيير. لذلك، يسعى الطغاة في جميع أنحاء العالم إلى جعل الشعوب تعيش في حالة من الخوف والانشغال بتأمين لقمة العيش، مما يمنعهم من التفكير في الحرية أو التغيير.
تعتبر أفضل طريقة للسيطرة على الشعوب من قبل الطغاة ليست القمع المباشر كما يظهر في بعض الحالات، بل هي جعلهم يعيشون في دوامة من الخوف والحاجة المستمرة، حتى يصبح النضال اليومي لديهم هو تأمين لقمة العيش، بدلاً من النضال من أجل الكرامة والحرية. تجد أن دول الطغاة تزرع الخوف والرعب في نفوس الشعوب، فلا تجد من يقف بجانبهم أمام البطش الذي يمارسونه. بعض الطغاة يلجأون إلى الدين، حيث يتم تأسيس رجال يسخرون الدين لتحقيق رغبات الطاغية، ويجعلونه وعياً يجب الالتزام به، ويقنعون الشعب بأن الجوع هو قدر لا مفر منه.
لا يخشى الطاغية الفقراء، فهم يعيشون في عالم آخر، منهم من يموت أثناء هجرته إلى المجهول، ومنهم من يبحث عن ما يسد به رمقه، ومنهم من يقف خلف باب الطاغية يسعى لتحقيق رغباته مقابل معاش شهري لا يضمن له العيش بكرامة، بل يخشى أن يدرك الشعب أسباب فقرهم، وهو ما يعود إلى الوعي الذي يخافه الطغاة. إن الطغاة لا يسعون فقط للسيطرة على أجساد وعقول الشعب، بل يفعلون ذلك من خلال مؤسسات يقودها جزء من الشعب الذي باع نفسه للطغاة، حين جعلوا الشعوب ترى في الاستبعاد قدراً، وفي الطاعة لهم تقربًا إلى الله، وعدم المطالبة بالتغيير فضيلة يجب الالتزام بها، مما أدى إلى عيش الشعوب حياة الذل والمهانة والاستعباد.