آخر تحديث :الإثنين-10 نوفمبر 2025-07:31م

من يجتمع لإنقاذ من ؟ حين تصبح القرارات واجهة للتجميل السياسي !

الإثنين - 10 نوفمبر 2025 - الساعة 02:54 م
جهاد جميل محسن

بقلم: جهاد جميل محسن
- ارشيف الكاتب


في بلد تتناسل فيه الاجتماعات كما تتناسل الأزمات، يواصل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية عقد جلساتهما المتتالية بين وعود الإصلاح وتكرار الشعارات، بينما يغرق المواطن في دوامة الغلاء وانقطاع الرواتب وغياب الأمل.

ثلاثة أشهر مرت وموظفو الدولة بلا مرتبات، والأسواق تشتعل بأسعار لا ترحم، رغم ما يروج عن "تحسن نسبي" في سعر العملة، أما القيادات فبين من يعقد اجتماعاته من الخارج دون إحساس بالواقع، ومن يتحدث من الداخل بلغة المواجع فقط !، تظل المسافة شاسعة بين الخطاب الرسمي والواقع المعيشي القاسي.

لقد تحولت عبارة "الإصلاحات الاقتصادية" إلى لافتة تبريرية أكثر من كونها برنامجاً حقيقياً، إذ لا يلمس المواطن سوى تكرار للوعود نفسها، وتبادل للمسؤوليات بين الحكومة والبنك المركزي والمحافظين، الذين يتهرب كثير منهم من توريد الإيرادات العامة إلى البنك المركزي بعدن، وبينما تتراكم الأزمات، تتراكم أيضاً المخصصات والسفريات والعلاوات لكبار المسؤولين، وكأن البلاد في رخاء لا في أزمة خانقة.

تأتي الاجتماعات والقرارات المتتالية التي تعقدها القيادة الرئاسية والحكومة اليمنية في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية متدهورة، إذ مازال الموظفون الحكوميون بلا رواتب، والأسواق المحلية تشهد ارتفاعاً متواصلاً في أسعار المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية، فيما يستمر عدد من محافظي المحافظات ورؤساء المؤسسات الإيرادية في التهرب من الالتزام بتوريد الإيرادات إلى البنك المركزي بعدن، الأمر الذي أثار شكوك المواطنين وأفقدهم الثقة بجدية الإصلاحات الحكومية المعلنة.

تشير هذه المعطيات إلى الحاجة الماسة لاتخاذ خطوات عملية وسريعة تعيد الانضباط المالي، وتثبت مصداقية الحكومة أمام الشارع، وتؤكد التزامها بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الشاملة بما ينعكس إيجاباً على معيشة المواطنين ويعزز من فرص الاستقرار الاقتصادي، فإستمرار الوضع الراهن دون حلول ملموسة يضعف ثقة الشارع بأي قرارات جديدة ما لم تترجم إلى نتائج واقعية يشعر بها المواطن مباشرة في حياته اليومية.

إن الخطوات الرئاسية الراهنة جاءت متأخرة بعد أكثر من ثلاث سنوات من الجمود الذي رافق تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، حيث ساهمت حالة الركود والانشغال بالمصالح الخاصة في تدهور كبير بمستوى معيشة المواطنين، إلى جانب المناكفات المستمرة بين أعضاء المجلس، والامتيازات التي يحصل عليها غالبية وزراء ومسؤولي الدولة من سفريات ومخصصات مالية مرتفعة، أدى إلى اتساع الفجوة بين الحكومة والمجتمع، وتعميق حالة الإحباط الشعبي، ما قد ينذر إلى انفجار كبير يصعب السيطرة عليه.

لا تزال الملفات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه وتأمين السلع الأساسية، خارج دائرة الاهتمام الجاد من قبل قيادة الرئاسة، التي باتت تعقد اجتماعاتها من خارج البلاد، ما ضاعف من حدة الأزمات، وزاد من مؤشرات الاحتقان الشعبي في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية، وهو ما نخشاه استمرار هذا النهج دون إصلاحات ملموسة قد يؤدي إلى مزيد من التدهور المعيشي والاقتصادي خلال الأشهر القادمة.

ودليلاً على ذلك، إن الإجراءات الحكومية والبنك المركزي اليمني بإغلاق منشآت الصرافة المخالفة لم تحقق النتائج المرجوة، إذ عادت العشرات من هذه المنشآت إلى ممارسة نشاطها مجدداً في ظل ضعف الرقابة الحكومية واستمرار التجاوزات والمحسوبيات على حساب مصالح المواطن المسكين.

كما أن تزايد ظاهرة فرض الجبايات غير القانونية على المواطنين وأصحاب المحلات التجارية ووسائل النقل، في ظل انتشار النقاط الأمنية على مداخل المحافظات ومخارجها، يؤكد أن البلد يدره مجموعة من الجبابرة و(البلاطجة) الذين أمعنوا في فسادهم وطغيانهم في ظل غياب الدولة، ومؤسساتها.

إضافة إلى ذلك، ما زالت الحسابات الخاصة للمؤسسات الحكومية في البنوك التجارية قائمة دون معالجة جذرية، وهو ما عرقل عملية توحيد الإيرادات، وحد من فاعلية القرارات المالية الحكومية.

فيما يستمر عدد من المحافظين والوكلاء ومديري المؤسسات الحكومية وقيادات أمنية في مدينة عدن، وغيرها، بممارسة أشكال مختلفة من الفساد الإداري والمالي دون أن تطالهم المساءلة القانونية، وسط غياب واضح لمبدأ الشفافية والمحاسبة مع وجود حالة من التواطؤ الإعلامي، حيث يتلقى بعض الإعلاميين والصحفيين مخصصات مالية مقابل تلميع شخصيات ومكونات سياسية وأمنية، والتستر على ملفات فساد كبرى، وعلي حساب قضية المواطن وقوته، ما قد يفاقم من أزمة الثقة بين المواطن ووسائل الإعلام المحلية.

وفي ظل هذه المعطيات، تظل القيادة الرئاسية والحكومة عاجزتين عن مواجهة التراكمات التي خلفها غياب السلطات المركزية القوية القادرة على ضبط شؤون الدولة ومؤسساتها، وهو ما جعل القرارات الصادرة في كثير من الأحيان تفتقر إلى القوة التنفيذية على أرض الواقع، وأبقى مؤسسات الدولة في حالة من التشتت والفوضى الإدارية.

إن هذا العجز المتراكم يعمق من الأزمات التي نعانيها، تضع البلاد اليوم أمام تحديات معقدة تتطلب إرادة سياسية حقيقية لإعادة بناء مؤسسات الدولة واستعادة ثقة المواطنين.

ختاماً.. يبدو أن قيادة مجلس الرئاسة لا تزال تعيش في "مرحلة الاجتماعات" بينما يعيش المواطن مرحلة "البحث عن لقمة العيش"، فالإصلاحات لا تقاس بعدد البيانات أو الصور الرسمية، بل بقدرتها على تغيير الواقع، وما لم يتحول الحديث إلى فعل، ستبقى الاجتماعات حدثاً مكرراً، ووجع الناس خبراً يومياً.