منذ فجر التاريخ العربي لم يكن الصراع بين قيس ويمن مجرد خلاف قبلي او تنافس على الزعامة بالجزيرة العربية بل كان نواة اول انقسام اجتماعي–سياسي عرفه العرب حمل في جوهره بذور التنازع على السلطة والهوية والانتماء ومع مرور الزمن تحول هذا الانقسام من ساحة القبائل الى ساحة الدول ومن رايات الدم إلى رايات السياسة والطوائف والمذاهب.
وللحديث عن الموضوع اسمحو لي اولا الحديث بمقدمة عن الجذور التاريخية حيث نشا النزاع القيسي ـ اليمني في العصور القديمة حين انقسم العرب إلى فرعين رئيسيين:
1 _ العدنانيون (قيس) في الشمال
2_ القحطانيون (يمن) في الجنوب
ورغم ان الاسلام جمع العرب تحت راية واحدة الا ان روح العصبية لم تدفن بل عادت لتظهر بقوة في العصر الأموي ، فبعد مقتل الضحاك بن قيس الفهري
في معركة مرج راهط (عام 64 هـ) على يد قبائل بني كلب اليمانية انفجرت موجة من الثار والانتقام والولاءات المتقابلة واصبح مصطلح قيسي–يماني عنوانا للصراع الداخلي داخل الدولة الإسلامية.
حيث اتحولت العصبية القبلية مع الوقت الى انقسامات سياسية وطائفية فصار كل تيار او حزب او جماعة يستند الى هوية مناطقية او مذهبية وكأن التاريخ يعيد نفسه بثوب جديد.
ففي #سوريا و #فلسطين و #الاردن و #العراق و #اليمن و #لبنان ما زال المشهد يعكس روح "قيس ويمن" القديمة ولكن بأسماء معاصرة.
في العراق تحول الانقسام من قبائل الى طوائف سنة وشيعة واكراد وفي لبنان الى احزاب طائفية تمثل زعامات مناطقية وفي سوريا الى معسكرات طائفية وجهوية بين الريف والمدينة وفي اليمن يتجلى النزاع في صورة شمال وجنوب زيدي وشافعي قبلي ومدني ومناطقي وكلها امتدادات فكرية لنفس منطق العصبية القديمة حتى بفلسطين والاردن اثر العادات والتقاليد متاثرة بالنزاع القيسي اليمني لليوم .
السؤال من يغذي هذا الصراع؟ وهذا النمط من الصراعات لا يعيش من تلقاء نفسه بل يجد من يغذيه عمدا لاسباب سياسية واقتصادية وحرب اليمن نموذجا .
فبعض الانظمة #العربية و #الخليجية تستخدم الانقسام القبلي او الطائفي كاداة للسيطرة عبر سياسة فرق تسد لضمان بقاء الولاءات مجزاة ومتحكما فيها ، اما القوى الإقليمية والدولية فهي تستثمر في هذا الصراع لتحقيق مصالحها من خلال دعم اطراف متعارضة لضمان استمرار الفوضى وعدم تشكل قوة عربية موحدة.
للاسف تعد دول الخليج جزءا اساسيا من المشهد بحكم الجوار والتاثير والقدرة المالية فبعض دول الخليج انخرطت في النزاعات الإقليمية في اليمن وسوريا ولبنان والعراق عبر دعم محاور سياسية او مذهبية ظنا منها انها تحمي امنها او نفوذها لكنها في الواقع اعادت انتاج منطق قيس ويمن في شكل صراعات سنية شيعية او شمالية–جنوبية واحزاب ومكونات .
ومع ذلك تبقى مسؤولية الخليج مزدوجة كما انها اسهمت احيانا في تاجيج التنافس فهي ايضا تملك القدرة على اطفائه عبر مبادرات مصالحة عربية حقيقية ان اتجاوزت الحسابات الضيقة وتوجهت لبناء شراكات قائمة على التنمية لا الصراع.
ان النزاع القيسي–اليمني لم يمت بل اعيد انتاجه في قالب جديد يغذيه الخارج حينا وتغذيه مصالح الداخل حينا اخر وترك اثر على الواقع العربي وتحول الى منهج تفكير يقوم على الانقسام بدل التعايش، الولاء للقبيلة او المذهب بدل الدولة والمصلحة الضيقة بدل المصلحة العامة.
هذا الارث جعل العالم العربي هشا امام التدخلات الخارجية لان كل طرف يجد في الانقسام مدخلا للهيمنة والسيطرة.
في #اليمن اليوم نرى بوضوح ملامح قيس ويمن تتكرر فالانقسام المناطقي والسياسي والمذهبي ليس سوى انعكاس لتاريخ لم يحاسب وصراع هويات لم يحل فكل طرف يدعي تمثيل الاصل بينما تضيع الدولة والوطن بين الرايات ولن يكتب لليمن السلام ما لم يتحرر من هذه الثنائية المميتة ويستبدلها بثقافة المواطنة والانتماء المدني والانتماء للوطن اولا .
فالصراع القيسي–اليمني ليس مجرد قصة من الماضي بل هو مراة لماساة الحاضر العربي فما لم ندفن قيس ويمن داخلنا سيظل الوطن العربي ساحة انقسام دائم تتحكم فيها العصبيات بدل الافكار، وتدار بالولاءات بدل العدالة فالتاريخ لا يعيد نفسه عبثا بل لاننا لم نتعلم كيف نغلق صفحاته المؤلمة ونفتح صفحة العقل والعروبة والمواطنة المتساوية والحكم الرشيد .
#عارف_ناجي_علي