آخر تحديث :الإثنين-24 نوفمبر 2025-02:56م

عندما يغيب الضمير وتبقى المناصب.. وطنٌ ينهار في صمت المسؤولين..

الأربعاء - 12 نوفمبر 2025 - الساعة 06:31 م
عدنان زين خواجه

بقلم: عدنان زين خواجه
- ارشيف الكاتب


/عدنان زين خواجه


في العالم المتحضر، تُقاس كفاءة المسؤولين بمدى قدرتهم على تحقيق المهام الموكلة إليهم، فإن أخفقوا كانت الاستقالة واجباً أخلاقياً قبل أن تكون قراراً إدارياً. كثير من السياسيين حول العالم قد يغادرون مواقعهم طوعاً بعد سنوات من العمل الناجح، رغبةً في إفساح المجال لقيادات جديدة تواصل البناء وتضيف إلى رصيد الوطن. لكن في اليمن، يبدو أن المعادلة مقلوبة تماماً، وأن ثقافة “التمسك بالكرسي” قد أصبحت هدفاً بحد ذاته، لا وسيلة لخدمة الشعب.


لقد انتقل اليمن، بكل أسف، من مصاف دول “العالم الثالث” إلى “العالم الرابع” — وهو تصنيف غير رسمي لكنه يعكس حجم التدهور في مختلف القطاعات. فالمسؤول عندنا لا يحكمه ضمير وطني، بل مصالحه الخاصة ومصالح أسرته وأقاربه ومنطقته. ولو أقسم على كتاب الله أنه سيخدم الوطن، فالغالب أن القسم مجرد كلمات جوفاء سرعان ما تنقلب إلى أفعال تخدم الذات وتنهب المال العام.


منذ سنوات، يعيش المواطن اليمني تحت وطأة الفشل الحكومي المزمن. لم يلمس أي تحسن في حياته المعيشية، بل تتدهور أحواله عاماً بعد عام، حتى باتت الحياة اليومية أشبه بصراعٍ من أجل البقاء.

الراتب مفقود منذ أشهر طويلة، والخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والاتصالات في حالة انهيار مستمر. المرافق الطبية تكاد تكون عاجزة، والتعليم تراجع حتى أصبح حلماً في كثير من المناطق. أما الأمن والاستقرار فغابا تماماً، وحلّ مكانهما الخوف والقلق من الغد.


في ظل هذا الانهيار العام، يعيش المواطن حالة من الإحباط واليأس، حتى وصل الأمر إلى أن كثيرين باتوا على حافة الجوع، وبعضهم اضطر للتسول من أجل توفير لقمة تسد رمق أسرته. ومع كل هذا، لا أحد من المسؤولين يشعر بالخجل أو يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه. لا نسمع عن استقالة وزير فشل، ولا عن محاسبة مسؤول نهب، وكأن المنصب أصبح “ملكية خاصة” لا تمسها المساءلة ولا تهزها الكوارث.


في البلدان التي تحترم شعوبها، يُقدّم المسؤول استقالته حين يشعر بالعجز عن أداء واجبه، احتراماً لكرامته وكرامة المواطن. أما في اليمن، فالعجز يُكافأ بالبقاء، والفشل يُكافأ بالترقية، والشعب وحده يدفع الثمن.


إن ما نحتاجه اليوم ليس مجرد تغيير أشخاص، بل تغيير ثقافة الحكم والإدارة، وإعادة بناء منظومة قيم تقوم على النزاهة والمساءلة والشفافية. فالوطن لا يُبنى بالخطابات ولا باللجان الشكلية، بل بإرادة حقيقية تُقدّم المصلحة العامة على المصالح الشخصية.


لقد آن الأوان أن يعترف الجميع أن استمرار هذا النهج لم يعد ممكناً، وأن الوطن يقترب من لحظة الانهيار الكامل إن لم يتحمل المسؤولون مسؤوليتهم الأخلاقية والوطنية. الاستقالة ليست ضعفاً، بل شجاعة، أما التمسك بالمنصب في ظل الفشل فهو خيانة لمستقبل وطن بأكمله.