في عالم يموج بالأحداث المتسارعة، وتتصارع فيه الأصوات والمعلومات، تبقى الحقيقة وحدها ثابتة لا تهتز، مهما تعددت محاولات تزويرها أو التشويش عليها. فالإشاعة، مهما بدت قوية في لحظة انطلاقها، لا تلبث أن تتلاشى أمام ضوء الحقيقة كما يذوب الضباب تحت شمس الصباح.
الإشاعة لا تحتاج إلا إلى كلمة مجهولة أو منشور بلا مصدر كي تنتشر. تتحرك بخفّة، وتتغذى على خوف الناس وفضولهم، وتجد طريقها سريعاً إلى المجالس ووسائل التواصل. ولكن هذه السرعة ليست دليلاً على قوتها، بل دليل على هشاشتها؛ إذ إن ما يفتقر إلى الدليل ينهار عند أول مواجهة مع الحقائق الموثّقة.
لقد باتت الإشاعة في عصرنا سلاحاً يُستخدم لإرباك المجتمع، وإثارة النزاعات، وتشويه السمعة، وخلق البلبلة. لكن رغم ذلك، يبقى المجتمع الواعي هو خط الدفاع الأول. فحين يرفض الناس تصديق كل ما يصلهم دون تحقق، تنكسر الإشاعة في بدايتها، ولا تجد من يحملها أو يعيد إنتاجها.
إن الحقيقة لا تستعجل. فهي تظهر ببطء وثقة، لأنها تستند إلى أدلة وشواهد ومصادر معلنة. قد تتأخر، لكنها حين تأتي تُعيد الأمور إلى نصابها، وتُسقط كل ما حاولت الإشاعة بناءه من ظنون وأوهام.
ولذلك نقول: دعوا الإشاعة تجري حيث تشاء، فمصيرها الزوال. ودعوا الحقيقة تسير بخطاها الهادئة، فهي وحدها التي تبقى. فالمسؤولية اليوم ليست فقط على الجهات الرسمية، بل أيضاً على كل فرد؛ أن يفكر قبل أن يصدق، وأن يتحقق قبل أن ينشر، وأن يدرك أن كلمة غير صحيحة قد تجر ضرراً لا يمكن إصلاحه.
إن مجتمعاً يحترم الحقيقة، ويُحاسب الكلمة، ويتريّث قبل أن يتخذ موقفاً، هو مجتمع عصيّ على التشويه والتضليل. وفي النهاية—كما أثبت التاريخ—لا يخلّد إلا ما كان صادقاً. أما الإشاعات، فمصيرها التلاشي… لأنها ببساطة لا تملك جذوراً تعيش بها.
فالحقائق تثبت… والإشاعات تذوب