آخر تحديث :الإثنين-24 نوفمبر 2025-02:56م

ملف الكهرباء في اليمن… نزيف مستمر كان يمكن أن يتحوّل إلى نهضة

الخميس - 20 نوفمبر 2025 - الساعة 12:21 م
عدنان زين خواجه

بقلم: عدنان زين خواجه
- ارشيف الكاتب


/عدنان زين خواجه


بينما يتسابق العالم اليوم نحو بناء منظومات طاقة رخيصة ونظيفة ومستدامة، لا يزال اليمن غارقًا في دائرة من الهدر والفساد والاعتماد الكلي على مصادر طاقة مكلفة تستنزف الخزينة العامة دون أن توفر خدمة مستقرة للمواطن. فخلال السنوات الماضية، أنفقت الحكومات المتعاقبة مليارات الريالات والدولارات على شراء الوقود وتشغيل محطات كهرباء مستأجرة، في حين كان بالإمكان خلال هذه المدة إنشاء محطات حكومية حديثة تضمن إنتاجًا مستقرًا وتكلفة تشغيلية منخفضة.


محطات مستأجرة… وجبايات لا تنطفئ


تقوم وزارة الكهرباء منذ سنوات على التعاقد مع محطات توليد خاصة، بدلاً من الاستثمار في بنية تحتية دائمة تملكها الدولة. هذه السياسة لم تستهلك موارد اليمن فحسب، بل حوّلت قطاع الكهرباء إلى واحد من أكبر ملفات الفساد في البلاد.

فكلفة الإيجار، إضافة إلى شراء الوقود وقطع الغيار، تجاوزت في كثير من الأحيان تكلفة إنشاء محطات حكومية جديدة تعمل بأنظمة حديثة، سواء بالطاقة الغازية أو الطاقة الشمسية أو حتى المحطات الهجينة التي تعتمد عليها دول نامية أقل موارد من اليمن.


ومع كل هذا الإنفاق، لم يحصل المواطن على خدمة مستقرة. فالكهرباء لا تعمل على مدار الساعة، ولا حتى نصف اليوم في العديد من المحافظات، بينما تتوقف كليًا في مناطق أخرى لأيام وأسابيع.


وقود بأسعار مجهولة… وصفقات تُبرَم في الظلام


تساؤلات كثيرة تطرح حول آلية شراء الوقود لمحطات الكهرباء.

هل يتم الشراء بأسعار السوق العالمية؟

هل تتم المناقصات وفق معايير شفافة؟

أم أن هناك تلاعبًا يُثقل كاهل الدولة ويزيد من حجم الهدر؟


إن غياب الإجابة الرسمية الواضحة على هذه الأسئلة يعزز الشكوك حول وجود شبكات مصالح تعمل بعيدًا عن الرقابة، وتتحكم في سوق الوقود والعقود بمبالغ خيالية، بينما يمكن الحصول على نفس الاحتياجات بنصف التكلفة أو أقل.


المواطن يدفع الثمن… حرارة الصيف وانقطاع لا يرحم


في الوقت الذي تُصرف فيه ملايين الدولارات شهريًا على تشغيل الكهرباء، يعيش المواطن في عدن وحضرموت والمهرة وتعز وغيرها من المحافظات ساعات طويلة بلا كهرباء، وفي بعض المناطق تتجاوز ساعات التشغيل عدد أصابع اليد يوميًا، وربما تزيد ساعة أو اثنتين فقط.


هذه الانقطاعات القاسية تضاعف معاناة الناس، وخصوصًا كبار السن والمرضى وأصحاب الأمراض المزمنة الذين يتأثرون بشدة حرارة الصيف الخانقة. ومع غياب الكهرباء، تتوقف معظم الخدمات الأساسية، من المستشفيات إلى شبكات المياه والاتصالات.


دعوة للتحقيق والمحاسبة


ملف الكهرباء لا يمكن أن يظل طي النسيان.

ما أنفق على المحطات المستأجرة وعلى الوقود خلال السنوات الماضية يجب أن يُحال إلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد.

ويجب التحقيق في كل عقد، وكل فاتورة وقود، وكل مناقصة شراء، ومعرفة ما إذا كانت هذه الأموال قد استُخدمت وفق المعايير الصحيحة أم جرى التلاعب بها.


كما يجب الكشف عن الجهات التي استفادت من إبقاء قطاع الكهرباء في دائرة الإيجارات والصرف غير المنضبط بدل الانتقال إلى حلول مستدامة واقتصادية كان يمكن أن تغيّر واقع البلاد.


الكهرباء ليست خدمة ترفيهية، بل ركيزة للحياة والتنمية.

وما حدث في هذا الملف خلال السنوات الماضية يمثل جريمة اقتصادية بحق الدولة والمواطن على حد سواء.

إعادة بناء قطاع الكهرباء يجب أن تبدأ من محاسبة الفاسدين، ثم الانتقال إلى حلول بديلة منخفضة التكلفة، تضع اليمن في المسار الصحيح كما فعلت معظم دول العالم.


بدون محاسبة… سيبقى الفساد يقتات على معاناة الناس، وستظل ساعات الظلام أطول من أن تُحتمل.