كان لي اليوم شرف الحضور في ختام أسبوع الجودة بجامعة أبين، هذه الجامعة الفتية التي وُلدت عام 2018م بالقرار الجمهوري رقم (3)، لكنها جاءت إلى الحياة بعزيمةٍ تفوق عُمرها بكثير. فمنذ أن تأسست وهي تشق طريقها نحو التميز بخطوات ثابتة، تبني ذاتها لبنة لبنة، وتثبت أن الإرادة حين تُصاحبها رؤية ومسؤولية تصنع المعجزات.
دخلتُ الجامعة اليوم وأنا أحمل تصوري المعتاد عنها، وخرجت منها وأنا أحمل صورة مختلفة تمامًا… صورة جامعة تتغير أمام العين، وتنمو كما تنمو الأشجار حين يُسقى جذرها بالعناية، ويُضاء طريقها بالمسؤولية.
جامعة تتحرك كخلية نحل
ما شاهدته في أسبوع الجودة لم يكن مجرد نشاط عابر أو فعالية روتينية؛ كان حركة حياة كاملة:
في كلية الإدارة والاقتصاد كانت ورشة مراجعة توصيف المساقات تُدار باحترافية عالية.
وفي كلية الحاسوب وتقنية المعلومات ندوة تبحث في معوقات تطبيق الجودة بعمق أكاديمي ونقاش مسؤول.
وفي كلية الشريعة والقانون حوار علمي راقٍ حول الجودة بين الواقع والمأمول.
وفي كلية التربية لودر مبادرات طلابية تفتح أبوابًا جديدة لتطبيق الجودة على أرض الواقع.
وفي كلية اللغات والترجمة محاضرات نوعية في البحث العلمي والتدقيق اللغوي.
ثم تكريمٌ يليق بالتميز.
ولم يكن ذلك مجرد تنوّع في الأنشطة، بل كان دليلاً على أن الجودة أصبحت جزءًا من الوعي المؤسسي للجامعة، لا مجرد برنامج أسبوعي.
أقولها بصراحة: لقد أبهرني هذا الأسبوع. أبهرني بحجمه، بنضجه، وبالروح التي قادته.
وكلما زرت الجامعة — وزياراتي لها ليست متباعدة — أجد نفسي أمام شيء جديد؛ بناء يرتفع، قاعة تُجهّز، نشاط أكاديمي هنا، ورشة تطوير إداري هناك… وكأن الجامعة خلية نحل لا تهدأ، مؤسسة تتحرك بروح واحدة نحو هدف واحد:
“أن تكون جامعة أبين صرحًا علميًا رائدًا ينافس الجامعات اليمنية الكبرى”.
ولأن الإنصاف أساس الجودة…
فإن هذا النجاح لم يكن ليتم لولا قيادتين اجتمعت إرادتهما على خدمة العلم:
أولاً: معالي محافظ محافظة أبين اللواء الركن أبو بكر حسين سالم
الرجل الذي آمن بأن التعليم الجامعي هو المعركة الحقيقية لبناء المحافظة. فتبنّى الجامعة منذ كانت فكرة، ثم رعاها حتى أصبحت واقعًا، وجعل تطويرها هدفًا استراتيجيًا في عمله.
ثانيًا: رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور محمود الميسري
بروفيسور حمل الجامعة على كتفيه منذ بداياتها، وقادها برؤية واضحة وصبر وكفاءة.
حوّل مباني ضيقة إلى كليات رحبة، ومن كلية واحدة إلى ست كليات، ومن نشاط خجول إلى حراك أكاديمي متدفق.
كان أسبوع الجودة انعكاسًا مباشرًا لروحه التنظيمية وجهده الدؤوب.
تأملات وتطلعات و رسائل صادقة
وأنا أغادر الجامعة بعد هذا اليوم المشرق، وجدتُ أن ما رأيته لا يكتمل جماله إلا ببعض الكلمات التي تشبه النصح المخلص والتطلع الصادق لمستقبل أفضل. وهي كلمات أوجهها لثلاثة أطراف اجتمعوا على هذا الإنجاز:
أولاً: إلى معالي محافظ محافظة أبين اللواء الركن أبو بكر حسين سالم
لقد كان دعمكم للجامعة منذ لحظة ميلادها حجر الأساس لنهضتها، وها هي اليوم تحصد ثمار تلك الرعاية. وأتطلع — ومعي أبناء المحافظة جميعًا — لأن يستمر هذا الدعم ويتعمق أكثر، فجامعة أبين ليست مؤسسة تعليمية فحسب، بل هي مشروع نهضة لمحافظة بأكملها.
ومن حق أساتذتها وأكاديمييها وطلابها أن يحصلوا على دعمٍ أكبر يمكّنهم من الاستمرار في هذا العطاء.
ولذلك أقترح — بكل تقدير — إنشاء صندوق لدعم التعليم الجامعي في أبين، صندوق يمدّ جذورًا قوية لمسار التطوير، ويخدم الجامعة في محاور متعددة:
دعم الأساتذة والدكاترة وتشجيعهم على البحث والإبداع.
دعم الطلاب وتوفير المنح والمساعدات التعليمية.
دعم الأنشطة الجامعية العلمية والثقافية.
المساهمة في التوسع العمراني وتوفير المستلزمات الأكاديمية.
تبني ودعم اسبوع الجودة سنويا.
إن تأسيس هذا الصندوق سيجعل التعليم الجامعي مشروعًا استراتيجيًا مستدامًا، لا جهود مؤقتة، وسيضع أبين في المكان الذي تستحقه علميًا وتنمويًا.
ثانيًا: إلى رئاسة الجامعة وعمادات الكليات الست والأساتذة والأكاديميين
أنتم بدأتم كبارًا… وهذه ميزة نادرة في مسيرة الجامعات.
لكن المحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها، وهذا يقتضي منكم:
مزيدًا من العمل،
مزيدًا من التميّز،
مزيدًا من الصبر،
حتى يبقى هذا الإنجاز ثابتًا لا تهزّه الظروف، وممتدًا لا توقفه التحديات.
إن ما تحقق في أسبوع الجودة ليس نهاية طريق، بل بداية مسار يتطلب تخطيطًا أعمق، وتعاونًا أوسع، وروحًا أكاديمية تؤمن بأن الجودة ليست شعارًا، بل ثقافة يومية.
ثالثًا: إلى أبنائي طلاب جامعة أبين
يا أبناء هذه المحافظة العظيمة…
قدركم أنكم تنتمون لأبين، محافظة أنجبت القادة والساسة والمبدعين، وكتبت اسمها في التاريخ بمداد المواقف والشجاعة والمعرفة.
واليوم أنتم أمام فرصة ذهبية:
صرح علمي يرتقي أمام أعينكم، وجامعة تُبنى لأجلكم، وأساتذة يسهرون على تعليمكم.
فاجتهدوا…
وثابروا…
واغتنموا هذه الفرصة بكل قوة.
الجامعة ليست جدرانًا وقاعات، بل مشروع رجال يقودون المستقبل… وأنتم مستقبل أبين، والرهان عليكم كبير.
وفي الختام:
خرجتُ من أسبوع الجودة في جامعة أبين وأنا أحمل يقينًا أكبر من أي وقت مضى أن هذه الجامعة تمضي في الطريق الصحيح.
جامعة تبني المستقبل، وتعيد الاعتبار للعقل، وتمنح الأمل فيما يمكن أن تقدمه أبين لأبنائها ولليمن كله.
إنها لوحة من الإبداع الأكاديمي… رسمتها قيادة واعية، وأسرة جامعية متماسكة، وطلاب يحملون الحلم في قلوبهم.
ولذلك أقول بكل صدق:
لقد سعدت بهذا اليوم سعادة كبيرة، وشعرت بامتنان عميق لكل من أسهم في هذا النجاح… فهذا الأسبوع كان شاهدًا على أن شعار “بالجودة نرتقي” لم يكن مجرد عبارة، بل كان واقعًا حيًّا ينبض في كل ركن من أركان الجامعة.
✍️ عبدالعزيز الحمزة
وكيل محافظة أبين لشؤون قطاع الخدمات
الخميس ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٥م
