ظل الحزب الاشتراكي اليمني لعقود احد اهم القوى السياسية في اليمن بل كان الحزب الحاكم في الجنوب قبل الوحدة وصاحب المشروع الوطني الأكثر وضوحا وتنظيما وقد لعب دورا محوريا في مسار التحرير وبناء الدولة والدفع نحو الوحدة اليمنية التي راها حينها مشروعا تاريخيا جامعا لكن هذا الحزب الذي شكل يوما ما عمودا رئيسيا في الحياة السياسية يجد نفسه اليوم بعيدا تماما عن هموم الشعب ومغيبا عن الفعل والتاثير بعدما تحول من حزب رائد الى قوة سياسية عاجزة عن تمثيل قواعدها او الدفاع عن مصالح المجتمع في الشمال والجنوب.
من التامر الخارجي الى التاكل الداخلي واجه الحزب الاشتراكي بعد الوحدة واحدة من اعنف حملات الاقصاء والتصفية السياسية من قبل نظام صنعاء (المؤتمر الشعبي العام بقيادة علي عبدالله صالح و حزب الاصلاح بقيادة الاحمر ) الذي عمل على ضرب الحزب الاشتراكي اليمني - Yemeni Socialist Party واستهداف قياداته وكوادره وجر البلاد الى حرب 1994 التي كرست اضعافه ونفي قياداته وتفكيك بنيته التنظيمية وكان ذلك بداية التامر المكشوف على مشروع وطني كان يمكن ان يشكل ركيزة لبناء دولة حديثة.
غير ان ما اصاب الحزب بعد ذلك لم يكن نتيجة الضغوط الخارجية وحدها فقد اجهزت عليه ايضا ازمة داخلية عميقة قادتها قيادات شاخت في مواقعها وتحولت بعضها الى مجموعات مصالح ضيقة تدير الحزب بمنطق تقاسم المناصب والامتيازات لا بمنطق حزب جماهيري يحمل مشروعا سياسيا.
اليوم يعاني الحزب الاشتراكي من عزلة خطيرة
واصبح حزب بلا قواعد وقيادة بلا رؤية ليس فقط عن الشعب بل عن قواعده الحزبية نفسها اذ تحولت المحافظات الى اقطاعيات سياسية لبعض القيادات واصبح منصب السكرتير الأول فيها اقرب الى حكم وراثي يخدم الأقرباء وابناء المنطقة ويغلق الابواب امام الكوادر الحزبية كما بات المكتب السياسي اقرب إلى نادي مغلق لتقاسم السفر والظهور الاعلامي والامتيازات اكثر منه مركزا لصناعة القرار السياسي.
بدلا من ان يستعيد الحزب موقعه الطبيعي في تمثيل قضايا الناس نجده اليوم يلهث خلف الفتات السياسي ويقبل بادوار شكلية وهامشية في مشهد تتحكم به قوى وجماعات تابعة للخارج شمالا وجنوبا.
اليمن اليوم يعاني من حرب مدمرة انهكت الدولة والمجتمع وشعب يئن تحت وطاة الجوع والفقر وتدهور الخدمات فيما تتعرض الكوادر الوطنية للتهميش والإقصاء وتعيش عدن نموذجا صارخا لهذا الواقع اذ تغرق في الفوضى وسوء الخدمات وغياب الإدارة الفاعلة ورغم كل هذا الانهيار يظل الحزب الذي كان يوما رمزا للوطنية والصمود غائبا عن دوره عاجزا عن التعبير عن الام الناس او مواجهة هذا الانحدار الخطير.
لقد كان المتوقع من قيادة الحزب ان تفتح صفحة جديدة تعيد فيها بناء العلاقة مع الشعب اولا ومع قواعدها الحزبية ثانيا وتستعيد خطابا وطنيا يستحقه حزب بتاريخ الاشتراكي لكن ما يحدث هو عكس ذلك تماما استمرار الدوران في الحلقة نفسها وتلميع واقع سياسي مترد لا يليق بتاريخه.
. ان الطريق نحو الاستعادة ان يعود الحزب الاشتراكي لاعبا حقيقيا الا اذا استعاد علاقته بقواعده الحزبية وفتح الابواب امام الكوادر الشابة بدلا من حصر الحزب داخل عائلات محددة.
. ان يتبني مشروعا وطنيا يعبر عن هموم الناس في الشمال والجنوب.
. ان يتحرر من الارتهان للوظائف الشكلية والتحالفات الهشة التي لا تصنع مستقبلا ولا تحفظ كرامة حزب كان ذات يوم قائدا لدولة.
. استعاد استقلالية قراره الوطني ورفض ان يكون تابعا لاي قوى خارجية او داخلية .
ما زال بامكان الحزب الاشتراكي ان يستعيد دوره فالتاريخ يمنحه شرعية لا يملكها غيره والشعب ما زال يبحث عن قوة سياسية تمتلك مشروعا وطنيا حقيقيا لكن هذا لن يحدث ما لم تحدث القيادة مراجعة جذرية توقف مسار الضعف الذي يتسع يوما بعد يوم وتعيد للحزب روحه وتضعه حيث يجب ان يكون في مقدمة القوى التي تدافع عن مستقبل اليمن شمالا وجنوبا وبكرامة ابنائه.