يُستوقف القارئ حين يقرأ تشابك المصالح الإقليمية مع الموارد الوطنية، وتثار فيه أسئلة البقاء والكرامة والقدرة على إدارة ثروات البلد من دون إملاءات خارجية.
اليمن، البلد الذي عانى من تقاطعات قوى كثيرة، يجد نفسه أحياناً أقرب إلى حكاية يوسف وبكائه في البئر من أن يكون صاحب قرار سيادي واضح.
في قلب تلك الحكاية الاقتصادية تقبع *منشأة بلحاف لغاز الطبيعي المسال* وتُعدُّ من أبرز مفاتيح النفط والغاز في اليمن. تاريخياً، كانت الإمكانات تفتح باباً لتصدير الغاز وتحقيق إيرادات يمكن أن تعزز قدرة البلاد على مواكبة مطالب التنمية وتثبيت استقرارها.
لكن شكلت تدخلات خارجية وتَصاعُد صخَبِ المصالح الإقليمية عائقاً أمام استثمار هذه الثروة بشكل ينعكس مباشرة على أحوال المواطنين.
الإمارات العربية المتحدة، بحسب العديد من التحليلات، ظهرت في المشهد من خلال تشكيلات وأدوات أمنية وعدة مسارات إدارية، ما جعل *بلحاف* في وضع معقد وخارج الخدمة في فترات طويلة.
وعند هذه النقطة يتساءل اليمنيون: إلى متى تستمر هذه الهوامش التي تُضعف قدرة الوطن على الاعتماد على موارده؟
الإشارة إلى أنشطة خارجية لا تقتصر على طرف واحد، بل تتداخل فيها مصالح دول الجوار الجغرافي والإقليمي، ويُصاحب ذلك أحياناً لغة الوديعات والتطمينات الاقتصادية التي تصرخ بفائض من الحذر. وفي المقابل، ظل اليمن يعاني من قِدَم التبعية وتكرار أنماط الحكم التي تجعل الشعب في موضع انتظار قرارات غيره.
هذه الصورة تُظهر أحد أبرز التحديات: كيف نجعل من الموارد الوطنية قاعدة لصنع القرار وليس ساحة لتنافسات خارجية؟
من ناحية أخرى، يظل حضور المملكة العربية السعودية دولةً مؤثرة في المشهد اليمني، وتظهر بين حين وآخر كطرف يمسك بزمام التفاهمات الإقليمية، بينما يُخشى أن تكون أحياناً في موقف المتفرج قبل أن تكون شريكاً فاعلاً في الحلول.
هذا الوضع يطرح سؤالاً آخر: ما مدى قدرة اليمن على أن يصبح لاعباً أساسياً في معادلة اقتصادية تخدم شعبه، وليس أداةً في حسابات أقوى من أن تفهمها الجهات المسؤولة؟
إن الحديث عن التصدير الممكن للغاز من بلحاف يعبّر عن إمكانات قائمة ولكنها ليست مهيأة للاستثمار الفعّال في ظل انغماس القرار الوطني في صراعات خارجية وتعيينات خارجية لا يعكس فيها الشعب رأيه ولا قراره.
وفي المدى الأبعد، تتحول موارد البلد إلى ورقة يعبث بها من يملك القدرة على التحكم في الإطار السياسي والاقتصادي، في حين تبقى الحاجة ملحّة لإعادة بناء منظومة الحكم التي تتيح للشعب اليمني أن يقرر مصيره بطريقة شفافة ومسؤولة.
يجب أن تكون هناك مسارات بيّنة لإدارة الغاز والموارد الأخرى وفق أسس شفافة، وتحت إشراف نِظام قانوني يحفظ الحقوق الوطنية ويحميها من أي تجاوزات خارجية أو مصالح خاصة.
كما أن تعزيز الوحدة الوطنية وتكامل الجهود بين مختلف المناطق يشكلان خطوة حيوية نحو خلق مناخ سياسي واقتصادي يملك القدرة على اتخاذ قرارات سيادية تعزز من مكانة اليمن على الخريطة الدولية.
في النهاية، يبقى المدى المفتوح أمام اليمن ليس في التبعية للوافدين على حساب مصالح الشعب، بل في قدرة وطنه على أن يحكم نفسه بمسؤولية ومن دون أن تُختَزَل منطقته في مطايا صراعات خارجية.
أشقاء يوسف في الحكاية قد يرمون باللوم على البئر، لكن الحقيقة أن من يستخرج الماء من البئر يجب أن يتأكد من أنه يملكه ويستثمره لصالح الجميع، لا لصالح جهة معينة.
في اليمن، البئر ليست مكاناً للانتظار، بل اختبار مباشر لقوة الإرادة والقدرة على بناء مستقبل سيادي واقتصادي يستحق أن يفخر به الشعب اليمني .