/عدنان زين خواجه
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتصارع فيه الأطماع، يغيب عن أذهان الكثيرين المعنى الحقيقي للمنصب القيادي، ذلك المقام الذي منحه الله للإنسان لا تكريماً فقط، بل اختباراً عظيماً في الدنيا ومقياساً يُبنى عليه مصيره في الآخرة
المنصب ليس غنيمة، ولا هو ثمرة فهلوة أو ذكاء أو براعة إدارية، بل هو أولاً وأخيراً هبة من الله، يرفع بها من يشاء ويخفض بها من يشاء. فالوسائل العلمية والإدارية والعملية ما هي إلا أسباب ظاهرية، لكن الحقيقة الجوهرية تكمن في أن الله هو من يهب الملك وينزعه، ليس فقط في السلطة العليا، بل في كل مسؤولية قيادية سواء كانت مدنية أو عسكرية، علمية أو إدارية
ومن يعتلي منصباً قيادياً، فإنما يعتلي منصة المحاسبة قبل أن يعتلي منصة القيادة. إنه اختبار إلهي لتقييم عدله، إنصافه، رعايته للناس، وحسن إدارته لأمورهم. فهل أقام الحق؟ هل أعطى كل ذي حق حقه؟ هل صان الأمانات وقضى الحوائج وأمّن الطرق وسعى في معيشة الناس؟ أم اتخذ المنصب وسيلة للظلم، والاستئثار، وإفقار الرعية، وبناء شبكات فساد تحاكي منهجياته وتكرس سلطته الجائرة؟
إن من يظن أن المنصب نهاية المطاف، وأنه حصاد ذكاءه ومجهوده فحسب، يغفل عن سنّة الله في الخلق. فكما يُبتلى الفقير بفقره، يُبتلى القائد بقيادته. ومن هذا المنطلق، فإن التعامل مع المناصب ينبغي أن يكون على أنها أمانة ثقيلة، لا على أنها وسيلة امتياز. فكم من قائد خلد ذكره لأنه حكم بالعدل ورفع الظلم، وكم من مسؤول سقط من ذاكرة التاريخ لأنه طغى وتجبّر
اليوم، نرى مؤسسات تتسلسل فيها منهجية الظلم من رأس الهرم إلى قواعده، وتُمارس فيها السلطة كوسيلة لإذلال الرعية بدلاً من خدمتها. نرى مناصب تتحول إلى فرص للإثراء، فيغيب الضمير وتُنسى الآخرة، ويُجعل الحساب في طي النسيان
لكن الحقيقة الكبرى التي لا ينبغي أن تُغفل، أن لكل منصب حساب، ولكل مسؤولية يوم موعود. فلا يدوم الملك، ولا تبقى القوة، ولكن تبقى الذكرى، ويبقى الحساب العادل عند من لا يظلم مثقال ذرة
فالمنصب في جوهره، هو مرآة دنياك التي تعكس مصير آخرتك. فاختر ما يظهر فيها، فإنك فيها تُرى، ومنها تُجزى