في عالم تتقاذفه المخاوف، يظل الرزق والأجل أكثر ما يذل الإنسان، يدفعه للركوع أمام البشر، والتنازل عن كرامته في سبيل لقمة العيش أو لحظة نجاة.
هذه الحقيقة المؤلمة تتكرر كثيراً حين ينسى الإنسان أن سلطان البشر لا يمتد إلى ما كتبه الله من أرزاق وآجال.
يخاف الإنسان على رزقه، فيذل نفسه، يساوم على مبادئه، ويخضع لأهواء من يظن أنهم يملكون مفاتيح رزقه.
لكن الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون أن الرزق بيد الله وحده، لا يملكه مدير ولا حاكم ولا مؤسسة.
يقول الله تعالى:
"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم."
فان الذل من أجل الرزق وهمٌ يتجدد.
مثلما يخاف الإنسان على رزقه، يخاف على أجله، فيذل نفسه طلبًا للنجاة، ناسيًا أن الموت لا يُؤخر ولا يُقدّم إلا بإذن الله.
لا طبيب ولا حارس ولا حصن يستطيع أن يمنع قدرًا قد كتبه الله.
فالأجل هاجس لا يملك البشر له سلطانًا.
في هذا العالم الذي يركع فيه الناس للمال والسلطة، يظل المؤمن استثناءً فريدًا. لم يُخلق للذل، بل خُلق في أحسن تقويم، كما قال تعالى:
"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون."
*من تعلق بالأقوام ذل بذلهم، ومن تعلق بالرحمن ظل عزيزًا.*
فالعزة ليست في المنصب ولا في المال، بل في الإيمان. يقول الله تعالى:
"ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين."
العزة الحقيقية في التعلق بالرحمن
فلا تذل نفسك لما لا يملكه البشر.
حين يدرك الإنسان أن الرزق والأجل بيد الله، يتحرر من الخوف، ويستعيد كرامته. لا تذل نفسك لما لا يملكه أحد، وكن من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فهم وحدهم من استثناهم الله من الذل، وجعل لهم أجرًا غير ممنون.