آخر تحديث :الخميس-11 ديسمبر 2025-11:40م

ظلال "سديه تيمان": أنين الحبر والأصفاد

الإثنين - 01 ديسمبر 2025 - الساعة 04:02 م
نجيب الكمالي

بقلم: نجيب الكمالي
- ارشيف الكاتب


في غرفةٍ لا يعرفها الزمن، حيث الصمت أثقل من الجدران، والظلام ليس غيابًا للنور بل حضوره المريع، يولد الكلام من رحم العذاب. هنا، في قلب معتقل "سديه تيمان"، يُقاس الإنسان بسنتمترات الألم، ويُعد الزمن بعدد نبضات الخوف. الجسد وطن محتّل، العقل سجين داخل سجين، والروح تحلّق كل ليلة إلى أرض الوطن محمّلة برائحة البيت وصوت الأم وضحكة طفل لا يعرف أن والده صار رقمًا في سجل التعذيب.


يعيش هنا صحفي فلسطيني اختُزل اسمه في ملف رقمي، واختُزلت إنسانيته في جسد مقيد، لكنه رفض أن يسكت. كان أكثر من مجرد صحفي؛ كان روحًا لا تُقهر، وكلمة تثقب الظلام، وصوتًا يرفض الخضوع للصمت. تعرّض للاعتداء الجنسي والتعذيب بواسطة كلب مُدرّب، وسط سلسلة انتهاكات وحشية ممنهجة، كما كشف تقرير مركز حماية الصحفيين الفلسطينيين.


كل يوم هنا ساعة من رمل مسموم، وكل نبضة قلب تردد صدى الألم، وكل صرخة تتحول إلى رسالة في جوف الظلام. الكلاب لا تنبح، لكنها تهمس بأوامر القادة، والجدران تئن، والأسقف تنقط قسوة بدل المطر، وكل لحظة هي امتحان للكرامة الإنسانية. رغم ذلك، يكتب هذا الصحفي، يجيب، يصرخ، يخرج كلماته من بين الأصفاد، لتصبح صدى حيًا في ذاكرة الإنسانية، وندبة لا تُمحى على وجه الضمير.


يومًا بعد يوم، تعلّم أن يقاس الألم بالكلمات، وأن يُحوّل الصرخة إلى شهادة. كل قيدٍ يُكسر، وكل كلمة تُكتب، وكل حرف يخطه بالقلم أو حتى بالدم، هو إعلان تحدٍ للظلام. يجيب لم يكن مجرد إنسان محاصر، بل رمز لكل من سُجن جسده وإنسانيته في أقبية الظلم، لكل من حاولت القوة أن تخنق روحه.


هذه الجريمة البشعة التي لا تمت للإنسانية بصلة تمثل ذروة الانحراف الأخلاقي والقانوني، وانتهاكًا صارخًا لجميع المواثيق والأعراف الدولية. سياسة التعذيب المنهجي والمتعمّد التي تنتهجها سلطات الاحتلال تهدف إلى كسر الإرادة وإهانة الكرامة، مستخدمة أساليب وحشية تشمل الاعتداءات الجنسية، الكلاب المُدرّبة، والتعذيب الجسدي والنفسي.


وفق القانون الدولي، ترقى هذه الانتهاكات إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. سلطات الاحتلال تتحمل المسؤولية الكاملة عن صحة وسلامة جميع المعتقلين الفلسطينيين، وعن الظروف اللاإنسانية في السجون، والحرمان من العلاج، والوفيات الغامضة التي تشكل انتهاكًا جسيمًا لاتفاقيات جنيف.


رغم كل شيء، يظل الأمل حيًا. كل قيد يُكسّر هنا هو تحرير لجزء من إنسانيتنا جميعًا، وكل كلمة من كلمات الصحفي صرخة لا تُمحى، تحفر ندبة في وجدان البشرية. الروح التي لا تُقهر، الحبر الذي يكتب بالدم، والكلمة التي تصرخ في صمت العالم، كلها تحوّل الألم إلى شهادة، وتحوّل الصرخة إلى رسالة لكل ضمير حي.


في زنزانة التيمان، يصبح الحبر دمًا، والأصفاد صمتًا، والكلمة صرخة. ومع كل ليلة من ليالي العذاب الطويلة، يولد الشعر من الألم، والحبر من جراح الجسد، والكلمة من صرخة لا تنتهي. وهنا، يجيب، ليس مجرد صحفي، بل رمز لكل من قاوم الظلم، وعلّمنا أن الإنسانية لا تموت، مهما حاول الظلام أن يخنقها.


إن استمرار الصمت الدولي تجاه هذه الجرائم يشجع سلطات الاحتلال على تكريس انتهاكاتها، ويهدد الأسس الأخلاقية والقانونية للجماعة الدولية. حان وقت المحاسبة، وقت أن ينهض الضمير العالمي، ويكشف المعتقلات السرية، ويحرر كل من سُجن جسده وكرامته، ويعيد للإنسانية ما سُلب منها.