بقلم: محمد عبدالله المارم
تساهل كثير من الناس اليوم في مسألة الطلاق، حتى من يُعرَفون بالصلاح إلى درجة أن البعض يطلّق بالثلاث وربما بالعشر، ويهدم بيته لأتفه الأسباب. فمن أراد أن يُكرِم ضيفًا او يُضيف جاره او صديقه في عمل قال: ((حرام طلاق أو عليَّ الطلاق)). وإذا غضب سبّ ولعن وطلّق وإذا أراد منع زوجته من شيء لجأ إلى هذه الكلمة، حتى أصبحت عند البعض أداة تهديد تُرفع في كل موقف، بدل أن تكون قرارًا جادًا لا يُستعمل إلا عند الحاجة الملحّة.
وقد شرع الله الطلاق عندما تستحيل العِشرة، وشرع الخُلع للمرأة حين تتضرر. أمّا أن يتحوّل الطلاق إلى يمين أو تهديد أو مزاح، فهو عبث محرّم، كما قال تعالى: ﴿ولا تتخذوا آيات الله هزوًا﴾.
وفي زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين رأى الناس يكثرون من الطلاق لسبب ولغير سبب، وكان الواحد يطلّق ثلاثًا في مجلس واحد، أمضى ذلك عليهم عقوبةً وزجرًا. فمَن طلّق زوجته ثلاثًا في مجلس واحد تُحرَّم عليه، وتُحسب ثلاث طلقات، فلا تحلّ له حتى تنكح زوجًا غيره زواجًا حقيقيًا لا يقصد به التحليل، فذلك مما حرّمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسمّاه «التيس المستعار». فإذا طلّقها الزوج الثاني دون تواطؤ، جاز للأول أن يخطبها من جديد بمهر وعقد جديدين.
ومع وضوح هذا الباب في الشريعة، لا يزال كثير من الناس يتعاملون مع الطلاق بخفة مؤلمة؛ فلا يسألون أهل العلم، ولا يتأكدون من الأحكام التي تمسّ الأعراض والأنساب والعدّة والمحارم. والأسوأ أن بعضهم يستفتي أي شخص يلبس عمامة، أو يقف على منبر، أو يحمل شهادة لا علاقة لها بالفتوى، فيعود بفتوى فاسدة وربما عاش بها في الحرام وهو يظن نفسه على صواب.
وتزداد المشكلة مع من يتصدرون للفتوى وهم يجهلون دقائق مسائل الطلاق، مع أن هذا الباب من أعقد أبواب الفقه وأكثرها خلافًا بين العلماء، ولا يقتحمه إلا من رسخ في العلم. وللمفتي شروط معروفة في كتب الأصول، فكيف بمن جمع بين الجهل والجرأة؟
ثم جاءت وسائل التواصل فأصبح البعض يتحدثون في قضايا الأحوال الشخصية وكأنهم أهل اختصاص. رأينا سياسيين وأصحاب محلات وبعض الكتّاب يناقشون الحضانة والنفقة والرؤية بدون علم ولا رجوع لعلماء الشريعة.
والتقول على الله بغير علم من أخطر الذنوب، بينما تُغري الناس الأقوال الباطلة: ((الزمن تغيّر وهذه حرية شخصية والانفتاح وهذا قانون قديم )) حتى اختلط كل شيء ولم يعد البعض يميّز بين الحق والباطل.