آخر تحديث :الجمعة-19 ديسمبر 2025-03:40م

الجنوب يستعيد دولته: 36 عامًا من الوحدة والتحديات الواقعية

الأحد - 14 ديسمبر 2025 - الساعة 06:03 م
نجيب الكمالي

بقلم: نجيب الكمالي
- ارشيف الكاتب


بعد ستة وثلاثين عامًا من الوحدة بين الشمال والجنوب، يقترب الجنوب من ساعة الصفر لإعلان استعادة دولته التاريخية بعد عقود طويلة من النضال والكفاح المستمر. هذا الإعلان ليس مجرد حدث سياسي رمزي، بل تحقيق لطموح شعبي متجذر في التاريخ والهوية، ولحظة استثنائية تضع الجنوب أمام مسؤوليات ضخمة لبناء مؤسسات دولة قوية تحمي الحقوق والسيادة وتحقق العدالة لجميع المواطنين.


المجتمع الجنوبي اليوم متشابك ومعقد، حيث استقر عشرات الآلاف من الشماليين في المدن الجنوبية الكبرى مثل عدن، حضرموت، شبوة، الضالع، وأبين، وأصبحوا جزءًا حقيقيًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي للجنوب، يشاركون في الحياة اليومية ويتزوجون من أبناء الجنوب، وامتزجت الأنساب بشكل طبيعي. في المقابل، يعمل آلاف الجنوبيين في الشمال في مرافق حكومية وتجارية في صنعاء، تعز، مأرب، والجوف، ويمتلكون نشاطات اقتصادية متنوعة تتراوح بين محلات تجارية صغيرة ومتوسطة إلى شركات خدمية وإنتاجية. هذا الامتزاج يجعل أي مشروع دولة جنوبية تجربة دقيقة، لأنه لم يعد مجرد إدارة مؤسسات، بل إعادة صياغة واقع اجتماعي مترابط وعميق، يحتاج إلى حكمة ومرونة في كل القرارات لضمان استقرار المجتمع واستمرارية النشاط الاقتصادي.


الجانب الاقتصادي يشكل تحديًا كبيرًا، فالجنوب يضم آلاف المحلات التجارية التي يملكها الشماليون المتواجدون حاليًا في الجنوب، والتي تُقدّر بنحو 20 ألف محل تجاري، من محلات بيع الجملة والتجزئة إلى المطاعم والمرافق الخدمية، وتشكل جزءًا مهمًا من النشاط الاقتصادي المحلي. في الوقت نفسه، يمتلك الجنوبيون في الشمال آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على أسواق الشمال. هذا التداخل الاقتصادي يتطلب إدارة دقيقة لضمان استمرارية النشاط وحماية فرص العمل وتحقيق التوازن الاقتصادي بين جميع الأطراف، لتجنب أي توترات أو أزمات اقتصادية.


البنية التحتية تمثل تحديًا آخر، إذ يحتاج الجنوب إلى تطوير الموانئ الرئيسية مثل عدن والمكلا، المطارات، وشبكات الطرق التي تربط المدن بالمناطق الريفية. كما أن توفير الكهرباء والمياه والتعليم والصحة بشكل مستدام يشكل عاملًا حاسمًا لاستقرار الدولة الجديدة وقدرتها على الصمود أمام أي أزمات.


الجنوب يواجه تحديات خارجية كبرى، أبرزها غياب الاعتراف الدولي، خاصة من السعودية والدول المؤثرة في المنطقة، ما يجعل أي خطوة نحو الاستقلال أو البناء الذاتي تحت ضغط خارجي مباشر. وتتضاعف هذه التحديات في ظل اتفاق الرياض الذي أنشأ مجلس القيادة الرئاسي ووحد القوى تحت إرادة التحالف كخطوة أولى نحو تحرير صنعاء، مع تأجيل حل القضية الجنوبية باعتبارها قضية محورية، ما يجعل أي مشروع دولة مستقلة مرتبطًا بالجدول الزمني والسياسات الإقليمية.


الجانب الاجتماعي والسياسي يشكل تحديًا موازٍ، فالفشل في إدارة التنوع السكاني ودمج الشماليين الذين أصبحوا جزءًا من التركيب السكاني والاجتماعي للجنوبيين في مؤسسات الدولة قد يؤدي إلى أزمات مستمرة. ويقدر عدد سكان الجنوب الحالي بحوالي 9 إلى 10 ملايين نسمة، موزعين بين المدن الكبرى مثل عدن (حوالي 1.2 مليون نسمة) والمكلا (حوالي 500 ألف نسمة)، والريف الذي يضم ملايين آخرين في محافظات حضرموت، شبوة، أبين، الضالع، لحج، والمهرة. أي نموذج حكم جديد يجب أن يكون قادرًا على تمثيل هذا التنوع الجغرافي والديموغرافي وتقديم الخدمات الأساسية للجميع.


في هذا السياق، أملنا مع الرئيس عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، كبير في تجاوز كل التحديات ووضع الجنوب على طريق النصر. لقد أظهر الرئيس الزبيدي قدرة قيادية فائقة في توحيد القوى الجنوبية، وإدارة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة، ووضع استراتيجية واضحة تقود الجنوب نحو النصر رغم الضغوط الإقليمية والدولية. قيادته تمثل عنصر ثقة واستقرار للشعب الجنوبي، وتؤكد أن الجنوب قادر على تحويل طموحه الوطني إلى واقع ملموس، وبناء دولة قوية ومستقلة قادرة على حماية حقوق المواطنين وتحقيق العدالة.


اليوم، الجنوب أمام اختبار حقيقي: هل سيكون نموذجًا لدولة أصيلة، متجذرة اجتماعيًا، عادلة اقتصاديًا، وقادرة على الصمود أمام التحديات الداخلية والخارجية؟ النجاح يعتمد على القدرة على إدارة التنوع السكاني، دمج الشماليين الذين أصبحوا جزءًا من التركيب السكاني الجنوبي منذ عقود مع الجنوبيين في مؤسسات الدولة، حماية الاقتصاد المحلي، وتعزيز الإنتاج الوطني، بالإضافة إلى موازنة الضغوط الخارجية مع سيادة القرار الداخلي.


هذه اللحظة التاريخية ليست مجرد إعلان سياسي، بل اختبار لقدرة الجنوب على تحويل النضال التاريخي إلى مؤسسات فعالة، اقتصاد متوازن، ومجتمع مترابط. أي خطوة مدروسة نحو الاستقلال والبناء الذاتي اليوم، بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي، يمكن أن تضع الجنوب على طريق الدولة المستقرة والقادرة على مواجهة كل التحديات، وتحقيق حلم الأجيال في الحرية والعدالة والكرامة، وضمان مستقبل يحقق السيادة الوطنية ويعيد للشعب حقه في تقرير مصيره.