آخر تحديث :الأربعاء-17 ديسمبر 2025-05:36ص

الحيلة يحصد الفقر!!

الإثنين - 15 ديسمبر 2025 - الساعة 01:13 م
عبدالناصر صالح ثابت

بقلم: عبدالناصر صالح ثابت
- ارشيف الكاتب


م. عبدالناصر صالح ثابت


دخل الجنوبيون الوحدة بنية صادقة، وهم يعتقدون أنهم مقبلون على شراكة وطنية متكافئة، غير أن النخب المتنفذة في الشمال كانت تُضمر الخديعة منذ اللحظة الأولى، وتُعدّ العدة للانقضاض على الجنوب بالقوة، متقاسمة الأدوار فيما بينها، كلٌّ يؤدي دوره بدقة، بهدف التملص من اتفاقات الوحدة وإفراغها من مضمونها. وبالخديعة ذاتها شنّوا حرب عام 1994، ثم مارسوا بعدها أبشع الانتهاكات بحق الجنوبيين. ففي الظاهر أعلنوا العفو العام، وبعثوا برسائل رسمية إلى الأمم المتحدة يتعهدون فيها بطي صفحة الحرب الظالمة، بينما في الباطن مارسوا العقاب بأقسى صوره: تشريد، إقصاء، نهب، وتهجير ممنهج طال الإنسان والأرض معًا.

رفعوا شعار «الوحدة أو الموت» وتمسكوا به، لا إيمانًا بالوحدة، بل استخدامًا لها كأداة حيلة وخداع. فالوحدة، في ممارساتهم، لم تكن وطنًا يتسع للجميع، بل غطاءً لشرعنة الإقصاء والاستحواذ. وبتمسكهم بالحيلة بدل الشراكة، أضاعوا الوطن الموحد الذي كان يمكن أن يكون نموذجًا، فحوّلوه إلى ساحة صراع وغنيمة.

لم تكن قراراتهم، ولا ديمقراطيتهم المزعومة، سوى سلسلة متواصلة من الحيل لتضليل الرأي العام محليًا ودوليًا. خدعوا الداخل والخارج معًا، وهيكلوا دولة تبدو مكتملة الشكل: سفارات تنتشر في كل بقاع الأرض، وخطاب رسمي منمّق، بينما الواقع لم يكن سوى سلطة عصابات وقبائل تستأثر بكل جميل في الوطن الكبير.

وصنعوا صراعات وهمية، مستخدمين إياها أداة ابتزاز لدول الجوار. كما خدعوا العالم بشعار محاربة الإرهاب، لا لاقتلاعه، بل لتحويله إلى ورقة ضغط لجمع الدعم المالي والعسكري. فكانت حروبهم مسرحيات هزلية، وحواراتهم خداعًا، وثوراتهم المزعومة احتيالًا، ومخرجاتها كيدًا سياسيًا لا مشروع دولة.

وسلّموا كل شيء للحوثيين بالحيلة ذاتها؛ في العلن أعداء، وفي الخفاء حلفاء. ورغم وقوف التحالف العربي معهم بقصد استعادة الشرعية، لم يغفلوا لحظة عن ممارسة الخداع، حتى مع حلفائهم. توزعت الأدوار، وتكررت المسرحيات، وانكشفت هشاشة الجيوش، لا عجزًا، بل تدبيرًا مقصودًا. وتوزعوا بين الأحزاب، والتيارات، والدول، لا انتماءً ولا قناعة، بل بحثًا عن مواقع جديدة للخديعة والاحتيال. يتغنون بالوطنية، والوطن بريء منهم. يخادعون في إعلامهم وخطاباتهم، ويرفضون الاعتراف بجذور المشكلة اليمنية، أو البحث الجاد عن حلول واقعية

لها.

هذه النخب الخادعة جرّت الشعب، شمالًا وجنوبًا، إلى هذا المصير، ولم يحصد الناس من وراء حيلها إلا المآسي والويلات والفقر.

يسمّون ما يفعلونه سياسة، بينما هو في حقيقته مأساة وطنية كاملة الأركان.

دفع الجميع ثمن هذا الخداع، غير أن الجنوبيين كانوا الأكثر تضررًا. فقد مورست ضدهم كل أنواع الحيل: من توجيه الإرهاب، إلى إحياء الصراعات القديمة، إلى التزييف الإعلامي، وشراء الذمم، وصولًا إلى إنكار قضيتهم ورفض الاعتراف بالظلم الواقع عليهم.

ومع ذلك، يُحسب لشعب الجنوب اليوم أنه واجه هذا الخداع بنضال مرير وانتصر، وعمل على كشف حقيقة النخب المتنفذة في الشمال، وفضح ممارساتها أمام الداخل والخارج .ومن يزرع الحيلة، لا يمكنه إلا أن يحصد الفقر في النهاية.