في مناطق سيطرة الحوثي، يصبح المثقف واقعًا في معضلة وجودية، حيث تتصارع قواه بين الرغبة في قول الحقيقة والخوف من القمع والضغط الاجتماعي والسياسي. البعض يختار الصمت كوسيلة للبقاء على قيد الحياة، متجنبًا أي مواجهة مباشرة مع السلطة، لكنه بذلك يفقد دوره النقدي كضمير اجتماعي ويغيب عن معادلة التغيير، كأنه شهد على الظلم بلا كلمة.
فئة أخرى تلجأ إلى المغادرة، تاركة أرضها ومجتمعها خوفًا من الاعتقال أو المضايقة أو التصفية، محاولة الحفاظ على حياتها ومستقبلها الفكري في الخارج. رغم كون هذه الخطوة خيارًا منطقيًا للبقاء، فإنها تُفقد المجتمع داخل مناطق السيطرة وجود صوت نقدي حقيقي، وتترك فراغًا يُملأ بالخطاب الرسمي المهيمن.
أما فئة ثالثة، فقد اختارت أن تصبح أداة من أدوات السلطة. هؤلاء المثقفون، بدافع الخوف أو الانتهازية أو السعي وراء المكاسب، يساهمون في تبرير السياسات القائمة وتجميل صورة السيد والجماعة، ويغلقون مساحة النقد العام، محولين الكلمة الحرة إلى أداة تضليل وتثبيت للهيمنة. هذه الفئة لا تكتفي بالصمت، بل تشارك بنشاط في إنتاج خطاب يخدم السلطة ويبعد المجتمع عن الوعي النقدي.
السلطة الحوثية لا تواجه المثقف الحر بطريقة واحدة، بل تستخدم أساليب متعددة: القمع المباشر عبر الاعتقال أو التصفية، التشويه والاتهام بالخيانة والعمالة، أو حتى الاحتواء بتقديم امتيازات مقابل تخليه عن النقد الجذري. وكل هذه الأساليب تجعل من المثقف في مناطق السيطرة عنصرًا مهددًا أو مطواعًا أو مغيبًا، حسب اختياره أو موقفه القسري.
هذا الواقع يعكس مدى قوة الهيمنة على الفكر والمعرفة في ظل السلطة القمعية للسيد وجماعته، ويؤكد أن قدرة المجتمع على التطور النقدي والفكري مرتبطة مباشرة بمصير المثقفين فيه. المجتمعات التي تُسكت أصوات مثقفيها، أو تُحوّلهم إلى أدوات للسلطة، تحكم على نفسها بالجمود والانغلاق، بينما المجتمعات التي تحمي المثقفين الأحرار وتمنحهم مساحة للحرية، قادرة على النقد الذاتي وبناء مستقبل أكثر وعياً وعدلاً.
في نهاية المطاف، واقع المثقف في مناطق سيطرة الحوثي يُظهر أن الكلمة الحرة ليست مجرد خيار، بل مهمة وجودية، وأن الصمت أو المغادرة أو التحول لأداة من أدوات السلطة كلها خيارات فرضتها البيئة القمعية، لكنها في الوقت ذاته تحدد مستقبل الوعي والحرية في المجتمع.