آخر تحديث :الخميس-25 ديسمبر 2025-02:10ص

الضمير الحي .. سفر بين النفس والكلمة

الثلاثاء - 23 ديسمبر 2025 - الساعة 05:23 م
نجيب الكمالي

بقلم: نجيب الكمالي
- ارشيف الكاتب


في عالم يغرق فيه الإنسان بين صخب الحياة وضغوط المصالح الشخصية، تبرز كلمات الدكتورة آمنة الريسي كنسيمٍ رقيق يمر بين الشقوق الضيقة للروح، كنبعٍ صافٍ يروي القلب قبل العقل، وكشعلةٍ تضيء الدروب المظلمة للضمير الغائب. إنها لا تكتب لتمنحك حلولاً جاهزة، بل لتوقظ ما في أعماقك، لتعيد الاتصال بما فقدته بين ضجيج الأيام ومطامح الذات.


كل كلمة منها هي نبضة حياة، كل جملة خيطٌ يربطك بضميرك، كل نص سفرٌ إلى داخل النفس، إلى حيث تكمن الحقيقة البسيطة والخالدة: أن الإنسان حين يغرق في مصالحه، حين يبيع جوهره لأهواءه، حين يغلق قلبه عن صوت الحق، يصبح دميةً تساق بلا وعي، بلا شعور، بلا رؤية.


لكنها تعلمنا أن هناك دائمًا من يقاوم. حتى وإن كانت قواه ضعيفة، يرفض التخلي عن ضميره، يرفض أن يصبح جزءًا من آلة تحركها المصالح العابرة. فالمقاومة ليست قوة جسدية فقط، بل صبرٌ على الحقيقة، ووعيٌ متواصل، وقدرة على سماع ذلك الصوت الخافت الذي ينبّهنا أن في الطريق خطأ، وأن في القلب ما يحتاج إلى حماية.


ما كتبته الدكتورة الريسي هو رحلة مستمرة بين النفس والعالم، بين الفرد والمجتمع، بين الضمير والحياة. فهي تجمع بين الرقة الإنسانية والعمق الفلسفي، بين البلاغة الشعرية وصراحة العقل، بين التحليل النقدي والرحمة على النفس والآخرين. كل نصوصها كأنها مرايا، ترى فيها نفسك، ترى ضعفك وقوتك، خيباتك وانتصاراتك، لحظات استسلامك ولحظات مقاومتك.


هي تعلمنا أن الانحراف ليس لحظة واحدة، بل تراكم للحظات صغيرة من التنازل عن القيم، تراكم يؤدي إلى فقدان الإنسان لذاته. وأن العودة إلى النفس وإيقاظ الضمير عملية مستمرة، تتطلب صبرًا، إرادة، وقوة في مواجهة صخب الحياة ومغرياتها.


الدكتورة آمنة الريسي ليست مجرد كاتبة، بل شعلة وسط الظلام، صوت العقل حين يغمره الصخب، وقمر يضيء طريق الضمير الضائع. كل كلمة لها تنبض بالحياة، كل فكرة فيها نافذة للوعي، وكل نص فيها رحلة إلى الذات. إنها مرشد روحي وفكري، تُعيد للإنسان إنسانيته، وتعيد له القدرة على التمييز بين الحق والباطل، بين الزيف والحقيقة، بين الخضوع للذات والوفاء للضمير.


أشد على يدها، وأرفع لها قبعة الاحترام، لعقلها النير، لقلبها الذي ينبض بالإنسانية، لعينيها التي ترى عمق النفس البشرية وتترجمه إلى كلماتٍ تضئ الطريق لكل من يقرأها. إنها مدرسة للحياة، وشعلة أمل، ومرشد لكل من يريد أن يعيش بضمير حي، حر، متصل بالإنسانية، متيقظ لقيمه، صادق مع نفسه، ومع مجتمعه.


في نصوصها، نجد أن الحياة ليست مجرد مسار من أحداث، بل سلسلة من الخيارات، وأن الحرية الحقيقية هي القدرة على مقاومة كل ما يجرّنا بعيدًا عن ضميرنا. هي تعلمنا أن العدالة تبدأ من داخلنا، وأن المجتمع يحتاج إلى أشخاص يعيشون ضمائرهم ليبني مجتمعًا قائمًا على القيم، وعلى المسؤولية المشتركة.


كل كلمة منها تحمل النور، كل فكرة تزرع الأمل، وكل نص يدعونا لأن نعود إلى ضمائرنا، نعيد بناء ذواتنا، نصنع مجتمعًا لا يُقاس بالقوة أو المال، بل بالضمير والوعي. الدكتورة آمنة الريسي هي الصوت الذي يهمس لنا: «لا تفقد ضميرك، فهو ما يبقينا بشرًا، وهو ما يجعلنا قادرين على رؤية الحقيقة، وعلى بناء عالم أفضل، وعلى مواجهة التحديات بشجاعة ومسؤولية».


قراءة نصوصها رحلة في أعماق النفس، تأمل في الذات، دعوة للمقاومة، للوعي، للحياة. إنها تذكرنا بأن العودة إلى الذات، وإيقاظ الضمير، هو بداية أي نهضة حقيقية، وأن الإنسان بلا ضمير حي كجسد بلا روح، كسماء بلا نجوم.


الدكتورة آمنة الريسي ليست مجرد كاتبة، بل منارة للحياة، شعلة للضمير، وعين ترى الحقيقة في قلب الظلام. نصوصها نور يهدي من ضل الطريق، ويدفعنا لنكون أكثر وعيًا، أكثر صراحة، وأكثر إنسانية. إنها تأكيد على أن الكتابة حين تكون صادرة من قلب حي وعقل نير، تصبح حياة، تصبح ضميرًا، تصبح قوة تحرر الإنسان قبل أن تحرر العالم.