آخر تحديث :السبت-27 ديسمبر 2025-01:34م

الوحدة اليمنية بين إنجاز التاريخ وتحديات الواقع الراهن

الأربعاء - 24 ديسمبر 2025 - الساعة 05:23 م
رجاء حمود الإرياني

بقلم: رجاء حمود الإرياني
- ارشيف الكاتب


بقلم : رجاء حمود الإرياني

شكّلت الوحدة اليمنية، التي أُعلنت في 22 مايو 1990، إنجازًا وطنيًا تاريخيًا عبّر عن إرادة شعبية صادقة أنهكتها سنوات الانقسام والصراعات. فقد جاءت الوحدة تتويجًا لنضال طويل، وحلمٍ جمع اليمنيين شمالًا وجنوبًا في دولة واحدة، تقوم على الشراكة والمواطنة المتساوية، وتفتح آفاقًا أوسع للاستقرار والتنمية.

غير أن هذا الإنجاز الوطني، الذي مثّل لحظة فارقة في تاريخ اليمن الحديث، يواجه اليوم أخطر تحدياته، في ظل ظروف سياسية وأمنية معقدة، ومحاولات متزايدة لتمزيق النسيج الوطني، وإعادة إنتاج مشاريع الانقسام بأشكال متعددة. فمع استمرار الصراع، وغياب الدولة، وتدهور الأوضاع المعيشية، برزت دعوات وممارسات تهدد وحدة الأرض والإنسان، وتغذي الانقسامات المناطقية والسياسية.

ولا يمكن فصل هذه المحاولات عن حالة الإحباط العام التي يعيشها المواطن اليمني، نتيجة الحرب، وتراجع الخدمات، وانتشار الفقر، وضعف مؤسسات الدولة. فقد استغلت بعض الأطراف هذه المعاناة لترويج مشاريع ضيقة، تقدم الانقسام كحل، متجاهلة ما أثبته التاريخ من أن التشظي لا يجلب سوى مزيد من الصراع والضعف، ويبدد فرص بناء دولة عادلة وقوية.

إن السعي لتمزيق الوحدة اليمنية لا يشكّل خطرًا سياسيًا فحسب، بل يهدد الهوية الوطنية الجامعة، ويقوّض أسس التعايش الاجتماعي الذي ظلّ سمة مميزة للمجتمع اليمني عبر تاريخه. فاليمن، بتنوعه الثقافي والجغرافي، لم يكن يومًا عبئًا على وحدته، بل مصدرًا لغناها وقوتها، حين أُدير هذا التنوع في إطار دولة عادلة تتسع للجميع.

وفي مواجهة هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى مراجعة جادة للتجربة الوحدوية، بعيدًا عن التقديس الأعمى أو الرفض المطلق، والاعتراف بالأخطاء التي رافقت مسار الوحدة، والعمل على تصحيحها عبر حلول وطنية شاملة، تقوم على العدالة، والشراكة، وتكافؤ الفرص، وبناء مؤسسات دولة تحترم القانون وتخدم المواطن دون تمييز.

إن حماية الوحدة اليمنية اليوم لا تعني الدفاع عن واقع مختل، بل السعي لبناء مستقبل أفضل، تُصان فيه الحقوق، وتُحترم فيه الخصوصيات، وتُدار الخلافات بالحوار لا بالسلاح. فالوحدة التي لا يشعر المواطن بثمارها في حياته اليومية تبقى مهددة، بينما الوحدة القائمة على الإنصاف والتنمية المستدامة تترسخ وتزداد قوة.

ختامًا، تبقى الوحدة اليمنية مسؤولية وطنية مشتركة، لا يحميها الخطاب وحده، بل الإرادة السياسية الصادقة، ووعي المجتمع، والإيمان بأن اليمن الموحّد، رغم كل التحديات، يظل الخيار الأضمن للحفاظ على السيادة، وصون الكرامة، وبناء دولة المستقبل.