آخر تحديث :السبت-27 ديسمبر 2025-11:37ص

عدن على حافة الدولة: هل اقتربت لحظة الإعلان أم أننا في ما قبل الإعلان؟

الجمعة - 26 ديسمبر 2025 - الساعة 08:36 م
صلاح البندق

بقلم: صلاح البندق
- ارشيف الكاتب


ما تشهده عدن ومدن الجنوب اليوم ليس ضجيجاً عاطفياً ولا موجة شعارات موسمية، بل حالة سياسية مكتملة الأركان تُعرف في علم السياسة بمرحلة ما قبل الإعلان؛ تلك المرحلة التي تُبنى فيها الدولة فعلياً قبل أن يُرفع علمها رسمياً.


الأحداث المتسارعة، والخطاب السياسي المتغيّر، والسيطرة الميدانية المستقرة نسبياً، جميعها مؤشرات على أن الجنوب لم يعد يناقش هل يستعيد دولته، بل كيف ومتى وبأي ثمن سياسي.


من الفراغ تولد المشاريع الكبرى


الدولة اليمنية، بصيغتها الراهنة، تعيش حالة شلل شبه كامل: حكومة بلا سيطرة، مؤسسات بلا قرار، واقتصاد بلا أفق. وفي مثل هذا الفراغ، لا تبقى الجغرافيا محايدة، بل تتحول إلى ساحة مفتوحة أمام المشاريع البديلة. الجنوب استثمر هذا الفراغ، ليس عبر إعلان مفاجئ، بل عبر بناء نفوذ متراكم على الأرض.


في السياسة، السيطرة ليست بياناً، بل واقعاً. ومن يفرض الأمن، ويدير المؤسسات، ويتحكم بالمنافذ، يملك القدرة على فرض شروطه لاحقاً على طاولة الاعتراف.


الإرهاق الشعبي كعامل حاسم


لم يعد الشارع الجنوبي أسير الأسئلة القانونية والدستورية، بقدر ما أصبح أسير الخبز والكهرباء والعملة المنهارة. في لحظات الانهيار الكبرى، تبحث الشعوب عمّن ينقذها، لا عمّن يذكّرها بالنصوص. وهذا التحول في المزاج الشعبي هو الوقود الحقيقي لأي مشروع سياسي صاعد.


لماذا لم تُعلَن الدولة بعد؟


رغم الزخم، فإن غياب الإعلان الرسمي لا يعني التراجع، بل يعكس حسابات دقيقة. الدولة لا تُعلن دون :


قبول إقليمي صامت أو معلن،


حد أدنى من الجاهزية الاقتصادية،


توافق داخلي واسع، خصوصاً في حضرموت والمهرة،


وضمان ألا يتحول الإعلان إلى شرارة صراع داخلي جديد.



الإعلان غير المحسوب قد يحوّل الحلم إلى عبء، والفرصة إلى عزلة.


ما الذي يحدث فعلياً الآن؟


ما يجري هو ترسيخ للأمر الواقع: ضبط أمني، إدارة محلية، خطاب سياسي أقل اندفاعاً وأكثر واقعية، ومحاولات متدرجة لشرعنة المشروع جنوبياً قبل تصديره خارجياً. هذه ليست مصادفة، بل استراتيجية مدروسة لتجنب الصدام مع المجتمع الدولي.


الخطوة القادمة لن تكون إعلان دولة صريح، بل صيغة انتقالية ذكية: تفويض شعبي، أو إدارة ذاتية موسّعة، أو ميثاق سياسي جامع، يُمهّد الطريق دون أن يفرض النهاية بالقوة.


الإعلان… متى؟


الدولة لا تولد عندما يُعلَن عنها، بل عندما يصبح تجاهلها مستحيلاً. وعندما تصل القوى الإقليمية والدولية إلى قناعة مفادها أن الكيان القائم على الأرض أكثر استقراراً من الفوضى، عندها فقط يصبح الإعلان مجرد إجراء شكلي.


الخلاصة


الجنوب اليوم أقرب من أي وقت مضى لفكرة الدولة، لكنه لم يبلغ بعد لحظة الإعلان. ما نراه ليس تردداً، بل إدارة زمن سياسي معقّد، حيث الخطأ الوحيد هو الاستعجال.


فالدول لا تُقام بالهتاف وحده،

ولا تُسقِطها البيانات،

بل تُبنى بهدوء…

ثم يُعلَن عنها عندما تصبح حقيقة لا يمكن إنكارها.