آخر تحديث :الثلاثاء-30 ديسمبر 2025-12:00م

حين نصبح خُصوماً أمام الله

الإثنين - 29 ديسمبر 2025 - الساعة 08:25 م
فاطمة احمد محمد البحيث

بقلم: فاطمة احمد محمد البحيث
- ارشيف الكاتب


رحل أبو عبيدة، ورحيله ليس خبراً عابراً، بل جرحٌ آخر يُضاف إلى ذاكرةٍ مثقلةٍ بالأسماء والوجوه والغياب... لم يكن حضوره مرتبطاً بصوتٍ أو صورة بقدر ما كان مرتبطاً بكلمةٍ ثقيلة قالها يوماً، كلمة لم تغادر القلوب:

(أنتم خُصومُنا أمام الله)


هذه العبارة لا تُقال وتُنسى، بل تُقال لتُحاكمنا.

تُحاكم صمتنا الطويل، وتُحاكم اعتيادنا على الألم، وتُحاكم تلك اللحظة التي مرّ فيها وجع الآخرين أمامنا فخفضنا أبصارنا ومضينا.


لسنا خُصوماً لأننا حملنا سلاحاً، بل لأننا كثيراً ما حملنا اللامبالاة...

لأن الأطفال كبروا تحت الركام ونحن كبرنا على التبرير.

لأن القلوب انكسرت هناك، بينما اكتفينا هنا بالدعاء المؤجَّل والكلمات المؤقتة.


رحيل أبي عبيدة ـ أيّاً كان الموقف ـ يضعنا أمام سؤالٍ لا مهرب منه:

ماذا فعلنا نحن؟

هل كنا شهود حق أم شهود تعب؟

هل أنصفنا المظلوم ولو بكلمة صادقة، أم خفنا أن نكون مختلفين؟


لوم النفس ليس جلداً لها، بل إيقاظٌ لها.

وأن نكون خُصوماً أمام الله فكرةٌ مخيفة، لكنها عادلة،لأن الله لا يحاسب على العجز، بل على التخلي، ولا يسأل عن المستحيل، بل عن الممكن الذي تركناه خلفنا.


اليوم، لا نكتب رثاءً لشخص،

بل نكتب اعترافاً لأنفسنا.

نكتب كي لا يصبح الألم خبراً، ولا الدم رقماً، ولا الطفل صورةً عابرة.


رحل أبو عبيدة،

وبقي السؤال واقفاً في منتصف الطريق:

حين نقف جميعًا أمام الله…

في أي صفٍّ سنكون؟


هذا التاريخ لن يُكتب بالحبر،

بل سيُحفَر في عِظامنا.

سنحمله معنا حيثما ذهبنا، لأن بعض الأيام لا تمرّ… بل تسكن الجسد.


في ختام هذه السنة، لم نطوِ صفحةً عادية،

بل أُغلِقت السنة على اسمٍ جديدٍ في سجلّ الغياب،

برحيل أبي عبيدة،

رحيلٍ جعل النهاية أثقل من أن تُسمّى نهاية.


لم يكن موته خسارة شخص،

بل شهادة زمنٍ كامل،

زمنٍ رأينا فيه الدم يُسفك،

والأطفال يُقتلون،

والقلوب تُكسر،

بينما جلس كثيرٌ من الرؤساء على مقاعدهم،

يعدّون المصالح،

ويزنون المواقف،

ويتركون الشعوب وحدها تحت النار


يا لسخرية المشهد…

أمةٌ تُباد،

وقادةٌ يبتسمون للكاميرات،

يتقنون لغة الشجب،

ويعجزون عن فعلٍ واحدٍ يُنقذ حياة.


لن نشمت،

لكننا لن ننسى.....💔

لن نسبّ،

لكننا سنُسمّي الأشياء بأسمائها:

خذلانٌ… وصمتٌ… وتواطؤٌ مكسوٌّ بالسياسة.


أما نحن، اليمنيين،

فلسطين لم تكن يوماً خبراً في نشرة،

ولا قضيةً موسمية.

فلسطين في وجداننا،

في دعائنا،

في شوارعنا،

وفي قلوبٍ أنهكها الحصار لكنها لم تُنهكها الخيانه....


نحن شعبٌ يعرف معنى القهر،

ولذلك نفهم فلسطين دون شرح.

نعرف ماذا يعني أن تُترك وحدك،

وأن تُقاتل وأنت تُدان،

وأن تصمد وأنت تُتهم.


نحب فلسطين لا لأننا نبحث عن بطولة،

بل لأن الحق لا يحتاج جواز سفر.

نحبها لأن دم الطفل الفلسطيني يشبه دم طفلنا،

ولأن الوجع واحد،

وإن اختلفت الجغرافيا.


رحل أبو عبيدة،

وخُتمت السنة بموته،

لكن العار لن يُختم،

والذاكرة لن تُغلق،

وهذا التاريخ…

سيبقى محفوراً في عِظامنا

حتى نقف جميعاً أمام الله،

وحينها فقط

سيُسأل الصامتون قبل الجرحى:

أين كنتم؟


✍️فاطمه احمد محمد البحيث