واهمٌ من يعتقد أن السيطرة على الأرض هي نهاية المطاف؛ فالحقيقة التي يجب أن نواجه بها أنفسنا بكل شجاعة هي أننا لا نزال في "بداية المشوار". إن بناء دولة الجنوب العربي، والانتقال من "عقلية الثورة" إلى "منطق الدولة"، هو طريق شاق وطويل، سنظل فيه بحاجة ماسة ووجودية لوقوف أشقائنا العرب، وفي مقدمتهم الأشقاء في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودول مجلس التعاون الخليجي إلى جانبنا، ليس فقط كمظلة عسكرية، بل كشريك استراتيجي في كل تفاصيل المستقبل.
نحن اليوم نمتلك القوة العسكرية، لكن الدولة لا تقوم على البندقية وحدها. نحن نحتاج خبراتهم في بناء المؤسسات التعليمية والصحية، في تطوير الإدارة الحكومية، في التحول الرقمي، وفي خلق اقتصاد مستدام. إن البدء من حيث انتهى الأشقاء سيوفر علينا عقوداً من التخبط والفشل.
لا يزال الجنوب محاطاً بأطماع ومشاريع عابرة للحدود تتربص به الدوائر. وفي ظل توازنات القوى الإقليمية والدولية، يظل العمق الخليجي هو "الدرع" الذي يحمي سماءنا وأرضنا من التهديدات الخارجية. إن شراكتنا مع الرياض وأبوظبي هي صمام الأمان الذي يمنع تحول الجنوب إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية أو لقمة سائغة للمليشيات العابرة للحدود.
نحن بحاجة للأشقاء ليساعدونا في حماية أنفسنا من "شرور أنفسنا". إن تاريخنا المثقل بالصراعات البينية، والمناطقية، والمزايدات السياسية، يحتاج إلى "حكم حكيم" وصديق صدوق يقف على مسافة واحدة من الجميع، ويساعدنا على رص الصفوف ومنع الانزلاق نحو الصراعات الداخلية. نحن بحاجة لهذا التوازن الخليجي ليضمن لنا ألا نكرر أخطاء الماضي، وألا تتحول انتصاراتنا إلى صراعات على "كراسي الحكم".
إن مصيرنا مرتبط عضوياً بالدول العربية الشقيقة، و بمجلس التعاون الخليجي. نحن جزء من هذه الكتلة العربية الصلبة، ليس فقط في زمن الحرب، بل في زمن السلم والبناء. إن المزايدة على هذه العلاقة هي متاجرة بمستقبل الأجيال القادمة. علينا أن نكون واضحين: استقلال الجنوب وسيادته لن يكتملان إلا بكونه شريكاً موثوقاً وعضواً فاعلاً في المنظومة الأمنية والأقتصادية العربية والخليجية.
الجنوب العربي يمد يده لأشقائه بوفاء العهد ومسؤولية الشريك، مدركاً أن المشوار في بدايته، وأننا معاً – وفقط معاً – سنعبر من ضيق الأزمات إلى رحابة الدولة المستقرة المزدهرة. ومن يزايد على هذا المصير، فهو يجهل حجم التحديات، ويقامر بوطن لا يتحمل المزيد من المغامرات.