آخر تحديث :الثلاثاء-30 ديسمبر 2025-06:42م

غارة المكلا… رسالة إلى الخارج وهمس في الكواليس

الثلاثاء - 30 ديسمبر 2025 - الساعة 01:29 م
علاء العبدلي

بقلم: علاء العبدلي
- ارشيف الكاتب


بكل هدوءٍ يليق بثقل اللحظة، وبعينٍ تقرأ ما وراء الدخان لا ما أمامه فقط، يمكن مقاربة الغارة الأخيرة التي استهدفت أطراف ميناء المكلا بعيدًا عن الانفعال، وقريبًا من منطق السياسة ولغتها غير المعلنة.

لو كانت المملكة العربية السعودية تريد فعلًا إنهاء تدفّق السلاح، لما اكتفت بغارةٍ يتيمةٍ تُصيب الهامش وتترك المتن، ولاستطاعت—بما تملكه من قدرات استخباراتية وعسكرية—أن توقف السفينة قبل أن ترى اليابسة، أو أن تمطر الموقع بسلسلة ضربات لا تُبقي مجالًا للتأويل. لكن ما حدث لم يكن كذلك، وهنا يبدأ السؤال الحقيقي، لا ذاك السهل الذي يُقال في العناوين.

الأمر الأكثر التباسًا في المشهد:

كيف لدولةٍ تقود تحالفًا عسكريًا أن تستهدف موقعًا في دولةٍ تُعدّ—نظريًا—جزءًا من هذا التحالف؟

هذا التناقض الظاهر يفتح الباب واسعًا أمام قراءات متعددة، لا تتوقف عند الفعل العسكري، بل تمتد إلى الرسالة السياسية التي أُريد لها أن تُقرأ بأكثر من لغة، وبأكثر من مستوى.

الغارة في المكلا—في تقدير كثيرين—لم تكن مجرد حدث عسكري عابر، بل مشهدًا محسوبًا على مسرح السياسة الدولية. رسالة موجهة إلى الخارج، إلى المجتمع الدولي تحديدًا، مفادها أن المملكة ما تزال متمسكة بخطاب دعم “الشرعية”، وأنها تقف علنًا ضد أي مشروع يُفهم منه تمزيق اليمن أو إعادة رسمه خارج الإطار المتداول دوليًا.

لكن السياسة، كما نعرف، لا تُدار كلها تحت الضوء.

ما يُقال في العلن شيء، وما يُنسج في الكواليس شيء آخر.

خلف الأبواب المغلقة، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا وأقرب إلى الواقع:

السعودية التي خبرت الجنوب، وقرأت تاريخه، وعايشت تحوّلاته، تدرك أن المجلس الانتقالي الجنوبي ليس حالة طارئة ولا نزوة سياسية، بل تعبير صريح عن إرادة شعبية، وشريك ميداني أثبت—في الأمن والحرب—أنه الأكثر صدقًا وانضباطًا. شراكة لم تُبنَ على الشعارات، بل على التجربة، والدم، وتوازن المصالح.

لهذا، فإن اختزال المشهد في غارة واحدة، أو الانجرار خلف خطاب انفعالي، يُسيء للقضية أكثر مما يخدمها.

التحالفات الكبرى لا تُقاس بلحظة، ولا تُفهم بضربة، بل تُقرأ ضمن مسارات طويلة، مليئة بالرسائل المزدوجة، والرموز، وإدارة التناقضات بحكمة الدول لا بردّات فعل الشارع.

ثقتنا بالمملكة العربية السعودية لم تأتِ من فراغ، ولن تتبخر عند أول اختبارٍ إعلامي. هي ثقة بُنيت على معرفةٍ عميقة بأن السياسة لا تُقال كاملة، وأن الصديق الحقيقي هو من يُمسك العصا من منتصفها حتى تعبر السفينة العاصفة دون أن تنكسر.

ومن هنا، نخاطب إعلاميينا وناشطينا الجنوبيين بنداء العقل قبل العاطفة، وبحكمة القضية قبل حرارة اللحظة:

تريّثوا في أحكامكم، واضبطوا نبرة الخطاب، فالمملكة ليست خصمًا عابرًا ولا طرفًا سهل القراءة. هي دولة تعرف ما تفعل، وتُدير معاركها ببرود الاستراتيجي لا بانفعال اللحظة. الإساءة في ساعة غضب قد تُرضي العاطفة، لكنها تُربك القضية، وتمنح خصومها ما عجزوا عن انتزاعه في الميدان.

القضية الجنوبية لا تحتاج صراخًا، بل وعيًا، ولا تكسب حلفاءها بالشتائم، بل تثبت نفسها بالصبر وحسن التقدير. دعوا الجسور قائمة، فالهدم سهل، أما العبور الآمن فلا يكون إلا بالحكمة.