آخر تحديث :الأربعاء-31 ديسمبر 2025-12:31ص

نأمل أن يُحَكَّم العقل وتتغلب الحكمة

الثلاثاء - 30 ديسمبر 2025 - الساعة 09:44 م
‫د.علي صالح الخلاقي‬‎

بقلم: ‫د.علي صالح الخلاقي‬‎
- ارشيف الكاتب


أكثر من هلّل وفرح بالقصف السعودي الذي استهدف ميناء المكلا هم جماعة الإخوان والمليشيات الحوثية - الإيرانية، إلى جانب قوى الإرهاب والتهريب، وهي الأطراف ذاتها التي استهدفت المملكة العربية السعودية بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وما زالت ترى في أي توتر بين الحلفاء فرصة سانحة لإرباك المشهد، وتأجيج الصراع، وضرب وحدة الموقف في مواجهة الأخطار المشتركة.

ومن هنا، فإن الحكمة كانت – ولا تزال – تقتضي أن يُستمع بجدية إلى وجهة النظر الجنوبية، وإلى إرادة شعب الجنوب الذي يصدح بالساحات مطالباً بحقه المشروع، وإلى القوات الجنوبية التي أثبتت في الميدان أنها شريك وفيّ للتحالف العربي، سواء في مواجهة الإرهاب والحوثيين، وحماية أمن المنطقة. فالقوات الجنوبية لم تكن يومًا عبئًا على التحالف، بل كانت في طليعة من دافعوا عن الأرض، وقدموا التضحيات، سواء في المحافظات الجنوبية، أو على الساحل الغربي، أو حتى في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية نفسها، ولن تكون إلا حزام أمان لأمن الجزيرة والخليج.

أما رشاد العليمي، فهو بالنسبة لغالبية الجنوبيين خصم سياسي، وتاريخه في قمع مظاهرات الحراك الجنوبي منذ أن كان وزيراً لداخلية نظام الاحتلال شاهد على ذلك، ولا يمكن القفز على هذه الحقائق أو تجاهل ذاكرة الناس ومعاناتهم، ولولا ثقتنا بالتحالف العربي لما قبل شعبنا بدخوله العاصمة عدن. ومع ذلك، فإن الخلاف مع أشخاص أو قوى بعينها لا يعني – بأي حال – أن الجنوب العربي يمكن أن يكون خصمًا أو عدوًا للمملكة العربية السعودية الشقيقة، كما لا يمكن أن يكون عدوًا لدولة الإمارات العربية المتحدة، فهذه حقيقة يعرفها الجميع، ويؤكدها مسار الأحداث والتحالفات منذ انطلاق عاصفة الحزم.

إن ما برز من تباين في الموقف بين الأشقاء في السعودية والإمارات بشأن دخول القوات الجنوبية إلى حضرموت والمهرة ينبغي النظر إليه بعين العقل وبعين المصالح المشتركة، لا بعين الانفعال. فهذه الخطوة لم تأتِ بدافع الصراع أو فرض الأمر الواقع، بل جاءت لتأمين هاتين المحافظتين من مخاطر الإرهاب والتهريب للأسلحة والمخدرات التي تغذي الإرهاب الحوثي وغيره، التي ظلت المنطقة العسكرية الأولى غطاءً لها لسنوات، وهو ما توضّح جليًا من صراخ الإخوان والحوثيين والمنظمات الإرهابية، التي شعرت بأن مصالحها ونفوذها باتت مهددة.

وهنا، من المهم أن يتضح للأشقاء في المملكة العربية السعودية أن الجنوب العربي لم يكن، ولن يكون، إلا حليفًا وفيًا، كما كان في عاصفة الحزم، حين قاتل أبناؤه دفاعًا عن أمن الجزيرة العربية، وشاركوا بفعالية في تحرير المحافظات الجنوبية، والساحل الغربي، قبل أن تتدخل الحسابات الدولية وتُجمّد مسار الحسم.

إننا نأمل أن تكون هذه الأحداث سحابة صيف عابرة، وأن نشهد التقاءً جديدًا وواضحًا بين حلفاء مواجهة الخطر، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، على قاعدة المصالح المشتركة، والعدو المشترك، والرؤية الواحدة لأمن الجزيرة والخليج والملاحة الدولية.

وإذا كانت السعودية قد جلست – في سياق البحث عن تسويات – مع من قامت عاصفة الحزم أساسًا لمواجهتهم، وهم من هددوا باحتلال الكعبة وقصفوا المدن السعودية بالصواريخ، فإن الأولى اليوم أن يُفتح حوار صريح ومسؤول مع قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، بوصفه شريكًا حقيقيًا وفاعلًا على الأرض، وأن تُحسم أي خلافات بروح الأخوة، وبما يؤمّن حقوق الجميع والمصالح المشتركة، ويقطع الطريق على القوى التي تسعى لجرّ الجنوب والمنطقة بأسرها إلى فوضى لا قرار لها.

إن قيام دولة الجنوب العربي، المنشودة من شعبه، لن يكون تهديدًا لمحيطها، بل عامل استقرار وأمن، وجدار صدّ في وجه الإرهاب والمشاريع التخريبية، وضمانة حقيقية لأمن الخليج والبحر العربي والملاحة الدولية. وهذا ما نتمناه، وما نأمل أن تدركه كل الأطراف، لإسكات تلك القوى التي لا تعيش إلا على تأجيج الصراع بين الشركاء الأوفياء، خدمةً للمليشيات الحوثية، والتنظيمات الإرهابية، وأجنداتها المعادية للجميع.


د.علي صالح الخلاقي