في اللحظات المفصلية من تاريخ الشعوب، تسقط الأقنعة، ويظهر الفرق واضحًا بين من يقود معركة، ومن يدير أزمة ليحمي نفسه ، وفي المشهد اليمني المأزوم، يبرز رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بوصفه نموذجًا صارخًا للقيادة التي تُتقن الهروب أكثر مما تُتقن المواجهة ..
العليمي لا يملك شرعية سياسية أو أخلاقية للتدخل في شؤون الجنوب، فالجنوب لم يتحرر بقرارات الفنادق ولا بتصريحات الخارج، بل تحرر بدماء أبنائه، في وقت كان فيه العليمي يتنقّل باحثًا عن مأوى خارج الوطن، لا عن جبهة ولا عن مسؤولية ، ومن المفارقة الثقيلة أن من عجز عن حماية محافظته، أو تحرير شبر من أرضه، يحاول اليوم الظهور كوصيّ على أرض حررها رجالها.
أما ما يُثار بشأن حضرموت، فمحاولات تصوير الأمر كتحرك فردي أو مغامرة سياسية لا تعدو كونها تضليلًا متعمّدًا ؛ الحقيقة الواضحة أن مسألة حضرموت كانت قرارًا توافقيًا داخل مجلس القيادة الرئاسي، وحازت أربعة أصوات صريحة لا لبس فيها:
عيدروس الزبيدي، عبدالرحمن المحرمي، فرج البحسني، والفريق طارق صالح — وهو ثقل سياسي وعسكري وتحالفي يتجاوز العليمي وزنًا وتأثيرًا، مهما حاول تجاهل ذلك.
السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه:
لماذا لا يتجه رشاد العليمي إلى معركته الحقيقية؟
لماذا لا يسخّر جهده لتحرير صنعاء، أو على الأقل لاستعادة سيادة محافظته؟
ولماذا يختار بدلًا من ذلك إثارة الجدل، وضرب التوافقات، وإرباك المشهد السياسي، لا سيما مع الدول الرباعية الراعية للملف اليمني؟
الإجابة باتت معروفة لدى كثيرين:
العليمي لا يدير دولة، بل يدير شبكة مصالح.
ولا يخشى على “وحدة اليمن” كما يدّعي، بقدر ما يخشى على ملفات حساسة تتعلق بالتهريب، واقتصاد الظل، وتبادل المنافع، وهي ملفات ارتبطت — تاريخيًا وسياسيًا — بتحالف غير معلن بينه وبين حزب الإصلاح الإخواني.
حضرموت، في هذا السياق، ليست قضية سيادة وطنية بالنسبة لهذا التحالف، بل منطقة خطر.
فأي استقرار أمني حقيقي، وأي إعادة ترتيب للمؤسسات، وأي ضبط للقرار العسكري، يعني بالضرورة تهديد شبكات النفوذ، وخطوط التهريب، ومسارات المال التي ازدهرت في ظل الفوضى. ولهذا يُستدعى الخطاب الوطني عند الحاجة، وتُرفع شعارات “الدولة” فقط عندما تقترب أي قوة فعلية من تفكيك هذا الاقتصاد الخفي.
رشاد العليمي لا يخاف من تقسيم اليمن،بل يخاف من انكشافه ، ولا يعارض خطوات الجنوب حرصًا على الوحدة، بل لأنه يدرك أن الجنوب المنظّم، الواضح القرار، المسيطر أمنيًا، هو نقيض البيئة التي عاش عليها سياسيًا ، ومع كل هذا، فإن محاولات العبث هذه محكومة بالفشل.
ستفشل لأن الجنوب لم يعد ساحة مستباحة ، وستفشل لأن أحرار الشمال قبل الجنوب باتوا أكثر وعيًا بمن يعرقل المعركة الحقيقية ويستثمر في إطالة أمدها ، وستفشل لأن الشعوب، مهما طال صبرها، لا تُخدع إلى الأبد بخطاب مرتبك ولا بقيادات تُجيد المناورة أكثر مما تُجيد المواجهة.
التاريخ لا يخلّد من عاشوا على إدارة الخوف،ولا يحفظ أسماء من حوّلوا السياسة إلى وسيلة لحماية مصالحهم،بل يكتب سطوره لمن واجه، لا لمن هرب،ولمن قاتل من أجل قضيته، لا لمن تاجر بها.
محمد السعدي