التاريخ لا يكرر نفسه مصادفة، بل حين تفشل القوى في التعلم من هزائمها، تعود لتجريب الأدوات ذاتها، مع تغيير الأسماء والواجهات. وما نشهده اليوم ليس حدثاً طارئاً، بل امتدادٌ لمشروع قديم، يحاول النهوض من تحت الركام.
في مشهد يفتقر إلى الحد الأدنى من الحس السياسي، يطل رشاد العليمي، بوصفه أحد بقايا منظومة الهيمنة اليمنية، ليقود خطاباً عدائياً متجدداً تجاه شعب الجنوب، وكأن عقود الصراع والدم لم تكن كافية لإقناعهم بأن هذا الشعب لا يُحكم بالقوة ولا يُكسر بالتجويع.
الخطير في المشهد الحالي، أن هذا الاستهداف لا يُدار من فراغ، بل يأتي ضمن ترتيبات إقليمية، وبرعاية مباشرة من المملكة العربية السعودية، التي اختارت ــ عن قصد أو سوء تقدير ــ إعادة تدوير أدوات صيف 1994، ومنحها فرصة جديدة لمحاولة إخضاع الجنوب تحت مسميات متهالكة.
إن استحضار شخصيات مستهلكة سياسياً، وتسويقها كقيادة «شرعية»، لا يمكن قراءته إلا كرسالة تحدٍ لإرادة شعب الجنوب، وإعادة إنتاج لسيناريو الغدر الذي قاده نظام علي عبدالله صالح في 1994، ثم تكرر بشكل أكثر فجاجة عبر التحالف العفاشي الحوثي في 2015.
المشهد بات مكشوفاً، ولا يحتاج إلى كثير عناء لفهم أدواته :
أولاً : توظيف الدين سياسياً، عبر فتاوى جاهزة تُستدعى عند الحاجة، تُجرّم النضال الجنوبي المتمثل بالتحرير والاستقلال، وتُحلل استهدافه، في محاولة لإسباغ شرعية زائفة على مشروع عدواني.
ثانياً : واجهة سياسية متآكلة، تُعاد فيها تدوير رموز صنعاء القديمة، لتكون غطاءً لمخططات وصاية جديدة، تحت اسم «الشرعية» التي فقدت معناها ومصداقيتها.
ثالثاً : سلاح الضغط المعيشي والأمني، من خلال التجويع، وقطع المرتبات، وتدهور الخدمات، إلى جانب تحريك الخلايا النائمة، في محاولة لتركيع شعب أثبت مراراً أنه لا يساوم على كرامته.
وهنا، لا بد من توجيه رسالة صريحة إلى المملكة العربية السعودية : إن الرهان على بقايا أنظمة سقطت أخلاقياً وسياسياً هو رهان خاسر، ولن يفضي إلا إلى تعقيد المشهد وزيادة التوتر، لا إلى الاستقرار الذي يُقال إنه الهدف.
شعب الجنوب، الذي واجه آلة الحرب في 1994، وكسر المشروع الحوثي في 2015، وصمد في وجه الحصار والتجويع، لن يقبل اليوم بإعادة إنتاج الجلاد تحت أي مسمى، ولن يعود إلى مربع التبعية لباب اليمن.
لقد انتهى زمن الإخضاع، والجنوب اليوم أكثر وعياً وصلابة، ومن يعتقد أن عجلة التاريخ يمكن إرجاعها بالقوة، فهو يسيء قراءة الواقع… ويغامر بتكرار الفشل.