تتحدثون عن الوحدة كما لو كانت عقيدة مقدسة، تلوحون بها في كل خطاب، وتزايدون بها صباح مساء. لكن ما إن ظهرت صورة جمعت قيادات يمنية شمالية وجنوبية، حتى انقلب الخطاب وخرجت الاتهامات جاهزة: خيانة، تآمر، بيع وطن!
وهنا يبرز السؤال الجوهري: أي وحدة هذه التي تخاف من صورة؟
الوحدة التي تحتاج إلى التخوين والإقصاء وتكميم الأفواه كي تستمر، ليست وحدة وطن، بل وحدة خوف. فالوحدة ليست شعارًا ولا بيانًا سياسيًا، بل ممارسة حقيقية تبدأ حين نقبل بالآخر كما هو، ونعترف بأن اليمن ليس صوتًا واحدًا ولا اتجاهًا واحدًا.
متى صار الانتماء الجغرافي تهمة؟ ومن منحكم حق توزيع صكوك الوطنية وسحبها؟ أن يجتمع جنوبي وشمالي في صورة واحدة يُعد جريمة في منطقكم، بينما يقصى الجنوب سياسيًا ويختزل ويهمش باسم الحفاظ على الوحدة. فأي منطق هذا، وأي وطن يبنى على الإلغاء؟
الوحدة التي تفرض بالقوة لا تعمر، والتي تحرس بالبنادق لا تصمد، والتي تدار بعقلية الغلبة لا تنتج وطنًا بل صراعًا مؤجلًا. الوحدة الحقيقية تبنى على الشراكة لا الوصاية، وعلى الاحترام لا التخوين، وعلى الاعتراف بالآخر لا محوه.
الانفصال الحقيقي ليس في رفع علم، ولا في صورة، ولا في لقاء سياسي، بل في العجز عن تقبل الشراكة الكاملة، وفي اختزال الوطن في جماعة، والتاريخ في رواية واحدة، والمستقبل في مقاس ضيق.
التاريخ لا يكتب بالمزايدات ولا بالضجيج، والأيام وحدها ستكشف من أراد وطنًا يتسع للجميع، ومن أراد وطنًا على مقاسه ولو احترق الباقون.