هكذا تقول الأعراب عندما تبالغ في وصف شيءٍ جميل ؛ وهكذا يجيب الجنوبيون إذا سألهم سائل لبناني أو خليجي عن الوحدة اليمنية . . .
نقولها مضمرين معناها كما هو اللفظ "بنت كلب" وهم يفهمونها على ما اعتادوا عليه . . .
فالتاريخ يذكر قصة انتقال علي بن الجهم من البادية إلى مدينة بغداد ؛ عندما مدح الخليفة العباسي في أول يوم ، فقال
أنت كالكلب فى حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوبِ
أنت كالدلو لا عدمناك دلواً من كبار الدلا كثير الذنوبِ
ولم يغضب الخليفة ، بل أمر له بما يكفيه من المال وبيت على ضفاف دجلة ...! وبعد عام طلبه الخليفة إلى مجلسه فأنشد قصيدته الرائعة التي مطلعها ؛
عيون المها بين الرُصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعـدنَ لي الشـوق القـديم ولم أكـن سَلَوت ، ولكـن زدن جمراً على جمرِ
وهكذا حالنا مع العرب . . .
لا نملك إلَّا الصبر عليهم ومجاراتهم حتى يفهموا كما فهم علي بن الجهم . . .
وسنجاري قراراتهم العدائية بعد قرار مجلس الأمن 2140 تحت الفصل السابع . . .
حالنا حال الإمام أحمد مع الزعيم عبد الناصر رحمهما الله ؛ فعندما شك الإمام أن الزعيم يضمر الشر له ، وأنه قد لايتركه يغادر الإسكندرية إلا مقتولاً ؛ قال [ماقاله البجباشي ماشي] ففهمها الزعيم بمعناها المصري "نعم" الموافقة على كل مايقوله . . . وعندما وصل الإمام إلى صنعاء سالماً ؛ أفضى للمصريين بمعناها اليمني "لا" الرفض .
إن الأخوة العرب والمسلمين لا يقفون مع الوحدة اليمنية لأنهم يكرهون الجنوبيين....؟ بل بسبب محدودية المعلومات عن المظالم التي وقعت في إطار دولة الوحدة . وانعدام المعلومات جعل العاطفة تسيطر على مواقفهم . فالوحدة العربية والإسلامية في ضمير كل عربي ومسلم . . . ونحن مثلهم ؛
أتذكر قبل ١٥ سنة كنت ضد انفصال جنوب السودان , وعندما قابلت أحد أبناء الجنوب وشرح لي مآسيهم . . . وعرضت ماسمعته على أحد أبناء شمال السودان.....؟ قال : نحن عرب وهم أفارقة ولا أخفيك أننا نعتبرهم عبيد.....! وهنا غيَّرت رأيي .
إن أشقائنا في جنوب السودان لم يقرروا الانفصال إلا بعد أن وقف العرب والمسلمون موقفاً عدائياً منهم ، فتبرءوا من العروبة ومن الإسلام . وارتموا في أحضان إسرائيل.....!
كذلك كان حال العرب والمسلمون في قضية بنجلادش ؛
حاز الشيخ مجيب الرحمن وحزبه على الأغلبية في انتخابات ١٩٧٠ في باكستان ؛ فرفض الحزب الحاكم برئاسة ذو الفقار علي بوتو "رئيس الوزراء" تسليم السلطة لحكومة مجيب الرحمن -الحائزة على الأغلبية- وأيده في الرفض الجنرال يحي خان -رئيس الجمهورية- وسجنوا مجيب الرحمن بدعوى أنَّه انفصالي.... وأيدهم العرب....!
لم يكن مجيب الرحمن حينها انفصالي كما يقولون
بل هي العصبية القبلية ؛ لم يقبل البنجابيون تسليم السلطة لبنغالي.....!
وحينما قابل الشيخ مجيب الرحمن معلمنا الكبير حسنين هيكل بعد انفصال بنجلادش في عام ١٩٧٣ ؛ شكى إليه الموقف العربي . . . وقال : [هل الجريمة أن أُطالب بالحرية لشعبي أم الجريمة أن يقتلوا شعبي...؟ هل من الإسلام أن يبنوا بلادهم ويثروا من ثروات بلدي..؟ وشعبي يعيش في فقر وفاقة وتهجير...؟]
هكذا كان الموقف العربي سبباً في انفصال بنجلادش .
لقد وقفوا مع الرئيس يحي خان الذي كان معروفاً بالفسوق وشرب الخمور ؛ وتخلَّوا عن الرجل المؤمن العابد مجيب الرحمن......! ودفعوه قسراً للارتماء في أحضان الهند عدوة باكستان وكان الانفصال
لقد أيد المعلم -هيكل- انفصال بنجلادش ؛ وقال [إننا لا نستطيع باسم الحرية أن نمزق الوحدة . ولكننا لانستطيع باسم الوحدة أن نقتل الحرية] ويرى -هيكل- أن عدم القدرة على فهم المعادلة بين الوحدة والحرية قد يتسبب في انقسامات . . .
انتهى كلام الأستاذ هيكل.
وأنا مع هذا الرأي الراجح ؛ لأنَّه السبب الرئيسي لفك الارتباط مع الجمهورية العربية اليمنية .
ختاماً ؛
على العرب إعادة النظر في مواقفهم من القضية الجنوبية . قبل أن يعيد الجنوبيون النظر في مواقفهم العربية....؟
لقد وقف الجنوبيون مع مصر في حرب ١٩٧٣ ؛ فسلَّموا بحارهم وموانئهم وجزرهم وباب المندب للجيش المصري . وبسبب هذا الموقف بدأ التآمر الدولي منذ ذلك الحين لتدويل باب المندب . . . وقف الجنوبيون هذا الموقف المشرِّف مع مصر وغضُّوا الطرف عن دورها الداعم لليمن الشمالي في حرب ١٩٧٢ ؛ عندما أمدُّوها بالخبراء والدبابات والمدافع ومختلف الأسلحة .
وهنا أتسائل ؛ إلى أين سيدفع العرب بالجنوب....؟
إلى حيث دفعوا جنوب السودان أو إلى حيث دفعوا بنجلادش....؟
أو إلى النهج الرائج في المنطقة ؛ الدين الصفوي السياسي...؟
أتمنى أن يُغيّر العرب مواقفهم . . .
وسيصمد الجنوبيون على عروبتهم ؛ ولن تكون الجنوب يهودية ولا صفوية ولكن العرب تخلَّوا عنهم ولم يساعدونهم وتمسكوا بوحدة بنت كلب .
لا حول ولا قوة إلَّا بالله