قبل ايام كنت قرات للصديق لطفي شطارة على صفحته في الفيس بوك ما مفاده انه بعد عودته الى لندن مقر إقامته قام بإجراء بعض الفحوصات الطبية و اكتشف إصابته بمرض السكر ، ويعزي هذه الإصابة الى الضغوط التي عانى منها خلال فتره التسعة الأشهر التي قضاها في صنعاء اثناء مشاركته كعضو في مؤتمر الحوار ، مع انه قبل ذلك لم يكن مصابا بهذا المرض منذ إقامته الدائمة في بريطانيا ، ، لا غرابه في ذلك طبعا ، واذا كان هذا هو حال صديقنا العزيز بعد تسعه اشهر ، فكيف هو حال سكان عدن ومناطق الجنوب؟ الرازحين تحت وطاءه المعاناة والأنين لعقدين من الزمان ، اي منذ شنت حرب الانتقام والتدمير لدوله الجنوب في عام ١٩٩٤ وما خلفته هذه الحرب الظالمة من أوضاع بؤس وشقاء ،ومظاهر تدمير مأساوية ماديه ونفسيه ، وتدهور مريع في حياه الناس ومعيشتهم وآمنهم واستقرارهم ، ما زالت حلقاتها وصورها البشعة مستمرة حتى اليوم .
لهذا لا غرابه ان نرى الكثير ممن يعانون من هذه الأمراض ومن غيرها من الأمراض بعد انتشارها بصوره غير مألوفة ، لنجد منهم من قضى نحبه ، ومنهم من فقد عقله، ومنهم من اصبح في عداد المقعدين ، والأقل حظا من لحق نفسه ليلتحق برحله علاج لا تتوقف ، والاوفر حظا من هرب من تعاسه الداخل الى سعادة الخارج في رحله النوى والبعد .
ما يعزز ويؤكد هذه الحقيقة هي تلك الأبحاث والدراسات العلمية التي صدرت وتناولت العلاقة بين صحه الانسان والمؤثرات المحيطة بما في ذلك أنماط السلوك الانساني الإيجابي او السلبي ، وأشكال الإيثار القائمة في الواقع ، حيث تؤكد البحوث انه توجد مناطق ( ارتياح ومكافأة ) في الدماغ تنشط بصوره ايجابيه في حاله الأفعال الحسنه الصادرة او المستقبلة ، حيث تفرز ماده (السيروتونين ) الهرمون المسؤول عن المزاج الجيد الامر الذي يحسن المناعة ويقلل من الإجهاد (، وبالمقابل هناك مناطق ( الامتعاض ) التي تنشط حين نواجه الظلم ، وعندما نكون تحت الضغط ، تنتج المزيد من الكورتيزول ، احد هرمونات الإجهاد الذي له اثار صحيه على نظام المناعة لدينا) .
كما تؤكد الأبحاث ايضا (ان القلب ليس مجرد عضله ولكنه نوع من الدماغ الثاني يحتوي على حوالي ٤٠٠٠٠ من الخلايا العصبية ) لذلك يستجيب القلب الى العواطف اكثر من الدماغ ، فعند الاستياء ترتفع معدلات ضربات القلب وضغط الدم ، وتفرز ماده الأدرينالين التي تسببها الشده الامر الذي يؤثر مباشره على البنكرياس لينخفض الأنسولين المسؤول عن تنظيم السكر في الدم ، وعلى النقيض من ذلك فان عدم الاستياء والمعاملة الحسنه والانطباعات الجيدة تخفض كثيرا من الإجهاد الفسيولوجي وتهدئ القلب.
وفقا للفهم الواعي والتعاطي الإيجابي لهذه الحقائق نجد هناك ( في تلك البلدان ) حيث ينظر للإنسان كقيمه اجتماعيه وثروة قومية عليا ، وككائن كرمه الله وخلقه في احسن تقويم ، نجد ان القائمون كل في مجاله في حاله سباق وتنافس لابتكار كل ما يسر الناظر ويطرب الروح والخاطر لتحقيق الظروف المثالية التي تحقق اعلى معدلات ومعايير الارتياح والانبساط لإسعاد الناس ، وازاله كل ما يمكن ان يشكل اي آذى حسي او نفسي ، فعلي او لفظي ينتقل الى الدماغ عبر الحواس .
وبالمناسبة علمت ان الامم المتحدة اعتمدت تاريخ ٢٠من مارس من كل عام يوما ( للسعادة) ، وقرأت ان بلاد اليمن التي كانت توصف (بالسعيدة) كان ترتيبها الاول من البلدان (التعيسة ) في الوطن العربي ، والتاسع في ترتيب (التعاسة ) في العالم .
ختاما يقول الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه :
رأيت الدهر مختلفا يدور فلا حزن يدوم ولا سرور
وقد بنت الملوك به قصورا. فلم تبقى الملوك ولا القصور