آخر تحديث :الأربعاء-16 يوليو 2025-12:24م
ملفات وتحقيقات

الكميت بن زيدٍ الأسدي والقبائل اليمانية

الثلاثاء - 05 يناير 2021 - 10:20 ص بتوقيت عدن
الكميت بن زيدٍ الأسدي والقبائل اليمانية
كتب/ معاذ العواضي:

‏أرتجل الكُميت بن زيد الأسدي في مجلسِ هشام بن عبد الملك قصيدة ارتجالًا حتى أنهُ لم يُجمَع منها إلَّا الأبيات التي حفظها الناس في ذلك المجلس، وقد سُئلَ عنها الكُميت فقال: ما أحفظُ منها شيئًا، إنَما هو كلامٌ أرتجلته!

ولد الشاعر الكميت في تاريخ 160بعد الهجرة، قال الفرزدقُ فيه: "هو أشعرُ من مضى ومن بقي"

أفضل نِتاج له هو "الهاشميات" ديوان مطبوع في ست قصائد مكون من 560 بيت في مدح آل النبي والذب عنهم وذِكر مناقبهم.

‏في الكُميت خصالٌ لم تكن في شاعر غيره: كان خطيب بني أسد، وفقيه الشيعة، وحافظ القرآن، وكان ثبت الجنان، وكان كاتبًا حسن الخط، وكان نسابة، وكان جدليًا، عالمًا بأخبار العرب وأنسابها وأشعارها ومثالبها، كانت له جدتان ادركتا الجاهلية، ويقال أن هذا سببٌ في غزارة علمه، حتى أن حمّاد الراوية سلّم له بعلو الكعب وقال هو أعلم مني بأخبار العرب وأنسابها، له أخبار متفرقة في كتب الأدب وله ديوان مطبوع، كتب في كل شيء، الحب، الغزل، المديح، الهجاء، ولكن أجود ما كتبه وأهتم فيه، هو الشعر السياسي، أيام العصر الأموي،

ألتقى يومًا الشاعر الكُميت بالفرزدق، فقال له يا أبن عمّي، أرى أني نُفث في لساني الشعر، فأود أن أسُمعك شيئًا من أبياتي،

فإن كانت حسنةً أذَعتها عنّي، وإن كانت سيئةً سترتها عليّ وأنت أولى بالستر، فقال الفرزدق، أسمعني،

طبعًا أبو فراس آنذاك كان حكم الشعراء،

 فأنشده الكُميت قصيدةً يقول في مطلعها:

طَرِبتُ وما شَوقًا إلى البِيضِ أَطرَبُ

ولاَ لَعِبًَا منّي; أذُو الشَّيبِ يَلعَبُ

فقال الفرزدق:  ألعب، هذا هو أوانُ اللعب؟

ولم يُلهِنِي دارٌ ولا رَسمُ مَنزِلٍ

ولم يَتَطَرَّبنِي بَنانٌ مُخَضَّبُ

يقول أن البكاء ع الأطلال والحنى على بنان الفتيات البيض لا يلهيه ولا يُطربه، فقال الفرزدق ما يطربك إذن؟

وَلاَ أنَا مِمَّن يَزجرُ الطَّيرُ هَمُّهُ

أصَاحَ غُرَابٌ أم تَعَرَّضَ ثَعلَبُ

ولا السَّانِحَاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّةً

أمَرَّ سَلِيمُ القَرنِ أم مَرَّ أَعضَبُ

يتحدث هُنا عن التطير، كان العرب قديمًا إذا رأوا وعلًا مكسور القرن أو غُرابٌ ينعق، تطيروا وتشائموا وعادوا من طريق سفرهم، فقال له الفرزدق:  أحسنت يجب الّا تتطير، ثم يُكمل:

وَلكِن إِلى أهلِ الفَضَائِلِ والنُّهَى

وَخَيرِ بَنِي حَوَّاءَ والخَيرُ يُطلَبُ

فقال الفرزدق من هؤلاء؟ فيكمل الكُميت:

إلى النَّفَرِ البيضِ الذِينَ بِحُبِّهم

إلى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ

الفرزدق قتلة الفضول ليعرف من يقصد الشاعر بقوله، فقال له: أخبرني باللّهِ عليك من هؤلاء الذين تتحدث عنهم، فيُكمل الكُميت:

بَنِي هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ فإنَّنِي

بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَاراً وأغضَبُ

هنُا راح الفرزدق يرقص طربًا، لأنه من شيعة بني هاشم، وقال للكُميت، للّهِ درك، أنت أشعر من مضى وأشعر من بقى، أذهب يا بن أخي وأذع شعرك، فهذا هو الشعر الذي يجب أن يذاع.

وللكُميت قصيدة تسببت بمقتله لاحقًا بعد سنوات،

كان هناك شاعرٌ أيام الدولة الأموية، اسمه: حكيمٌ بن عياشٍ الكلبي، وهو من القبائل اليمانية، كان يهجوا القبائل النزارية والمضرية هجاءً مقذعًا، فكانت القبائل ترد عليه، إلاّ أن الكُميت قال لهم واللّهِ ما غلبتموه، أنتم تردون عليه ولكن لم تغلبوه، فهو أشعر منكم،! فقالوا:  تعال إذن ورد عليه، وأرحنا من شره وسلاطة لسانه،

قال لا والله، لن أهجوا القبائل اليمانية لأن خالد القسري منهم، وله يدٌ عليّ،!

وخالدٌ هذا كان والي هشام بن عبدالملك ع الكوفة، قال فيه الفرزدق:

 ألاّ قبَّح الرحمنُ ظهر مطيّة

 أتتنا مِنْ دمشْق تَهادى بخالِدِ

وكيف يؤم النَّاسَ من كانت أَمُّه

تُدِين بأنَّ اللّه لَيْس بواحِدِ

(كانت أُمه نصرانية)

بنى بيعةً فيها الصليب لأمِّه

 ويَهْدم مِنْ بُغْضٍ منارَ المساجدِ

(بنىٰ لأمه كنيسة)

فلما أسمعوا الكُميت هجاء حكيم بن عياش الكلبي في نساء بني أسد ومضر، وكان هجاءً مقذعًا، ثارت حمِيتة وغضب،وقال قصيدته النونية المذهبة،حوالي 280بيت في هجاء اليمانية .

يقول في نونيته وقد بدأها بالفخر ثم الهجاء،

بَلَغنَا النَّجمَ مَكرُمَةً وعزًا

وفُتنَا أيديَ المُتَطَاولينَا

وَنُلفَى في الجُدُوبَة أهلَ خصبٍ

وفي ظُلَم الحَنَادس مُقمرينَا

وجَاوَزنَا رَوَاسِيَ شَاهِقات

بِلاَ تَعَبٍ ولاَ مُتَطَاوِلِينا

تَنَاولَنَا الأَقَاصِي من بَعِيد

وقَلَّمنَا أَظَافِرَ مَن يَلِينَا

إِذَا غَضِبَت سُيُوفُ بَني نِزَارٍ

عَلَى حيٍّ رَجَعنَ وَقَد رَضِينَا

لَنَا قَمرَا السَّماءِ وكُلُّ نَجم

تُشيرُ إلَيه أيدي المُهتَدينَا

وَجَدتُ الله إِذ سَمَّى نَزَار

وَأنزلهم بمكة قاطنينا

لَنَا جَعَلَ المَكَارم خَالصَاتٍ

وللنَّاس القَفَا ولَنَا الجبينَا

وفي الهجاءِ يقول:

وما ضَربت هجانَ بَني نزَار

فَوَالجُ من فُحُول الأَعجَمينَا

(الفوالج، هو البعير ذو السنامين)

وَمَا حَمَلُوا الحَميرَ عَلَى عتَاقٍ

مُطَهَّمَةٍ فَيُلفَوا مُبغلينَا

(من يركب الحمير بالتأكيد سيكون نتاجه البغل)

وَمَا وُجدَت بَنَاتُ بَني نزَارٍ

حَلاَئلَ أَسوَدين وأحمَرينَا

(يقصد بذلك الفرس والحبشة)

أَبي آبَاؤُهُنَّ فَلَم يَشُوبُوا

بِسَمنِهِمُ إِهَالَةَ حَاقِنِينَا

يقول هنا، نحن لم نخلط سمننا الصافي بالإهاله(الودك) أو الشحم المذاب،

وَمَا سَمَّوا بِاَبرَهةَ اغتِبَاطاً

بِشَينِ خُتُونَةٍ مُتَزيِنِينَا

(رغم كل اللي سواه فيكم ابرهه ولازلتم تسمون أبناءكم باسمه)  

وَلَم نُملَك بغَيرِ بَنى نِزَارٍ

وَلَم نُعطِ الإِتَاوَةَ مُجتَبِينَا

(لا يحكمنا رجلٌ من غير بني نزار، ولم نعط يومًا الإتاوة لأحد)

وَعَبدُ يَغُوثَ قَد لاَقى نِزَارًا

غَداةَ التَّيم غَيرَ مهللِينَا

(تحدث هنا عن يوم كُلاب الأول ويوم كُلاب الثاني)  وهي أيامٌ مشهورة لدى العرب،

وَلاَ أَرمِي البَرِيءَ بِغَيرِ ذَنبِ

وَلاَ أَقفُوا الحواصِنَ إِن قُفِينَا

فَإن نَعفُو فَنَحنُ لِذَاكَ أهلٌ

وإن نُرِد العِقَاب فَقَادِرِينَا

 

الأبيات طارت ووصلت إلى مسامع خالد القسري، فغضب وقال: يشتم اليمانية ويشتم عشيرتي،  والله لأقتلنه· ثم دبر له حيلةً، واشترى ثلاثين جاريةً بأغلى الأثمان،

وتخيرهن من ذوات العقل والفهم والأدب وحفّظهن قصائد قيلت في ذم بني أمية كما حفظهن قصائد الهاشميات في مدح بني هاشم، ثم بعثهن مع نخاس وأدخلهن على الخليفة هشام بن عبدالملك في دمشق،  فلما اختبرهن هشام

 تلون القرآن فأجدن، ثم استنشدهن شعرًا ، فألقين تلك القصائد، فاكفهر وجه هشام وقال لهن:

ويلكن، من قائل هذا الشعر؟

قلن: الكميت بن زيد الأسدي،

 قال: وفي أي بلدة هو؟

قلن: بالكوفة في العراق،

فكتب إلى واليه بالعراق خالد بن عبدالله القسري أن يبعث إليه برأس الكميت بن زيد،

وهاذا الذي كان يرجوه خالد فبعث خالد إلى الكميت وقبض عليه وأودعه السجن، وفي اليوم التالي بعث الى قبائل مضر وتلا عليهم كتاب الخليفة بقتل الكميت واعتذر لهم أن الأمر من الخليفة ولا بد من تنفيذه،

 وكان ضمن الحاضرين أبان بن الوليد البجلي وكان صديقًا للكميت، فتحيل إلى أن بعث إلى الكميت بن زيد بكتاب في سجنه قال له فيه:

سأبعث لك زوجتك لزيارتك فالبس ملبسها واخرج من السجن وأتقن مشيتها حتى لا يستريب السجانون،

وبعث لزوجة الكميت وكانت تدعى (حُبىٰ) وأفهمها الخطة فسارعت تطلب السلام على زوجها توديعًا له، ولما دخلت عنده أعطته ملابسها فلبسها، وجعلت تقول له:

أقبل وأدبر، حتى جعلته يتقن مشيتها، ثم قالت له: ما أنكر عليك شيئًا إلّا يُبسًا في كتفك، فاخرج على بركة الله،

 فخرج من بين أيدي السجانين فلم يأبه به أحدٌ، لأنهم يعلمون أنها زوجة الكميت،

 فخرج الكميت من السجن حتى دخل منزل رجل يُدعى أبا وضاح حسب الخطة المرسومة،

أما سجانه فلما طال عليه الأمر نادى الكميت فلم يرد،

 فدخل ليعرف خبره فوجد (حُبىٰ) موثقة ولما رأته صاحت به قائلة:

 مكانك لا أم لك، وإنما أغمض عينيك وفك وثاقي،

 فشق الرجل ثوبه وخرج صارخًا إلى خالد القسري وأخبره الخبر، فدعا (حُبىٰ) وقال لها:

يا عدوة اللّه، تحيلت ضد أمر أمير المؤمنين،

 وتهددها فاجتمع شيوخ بني أسد وقالوا له: ما سبيلك على امرأة منا خُدعت وأكرهت كما خدع سجانوك، فلم يستطع خالد فعلُ شيءٍ لها فتركها تذهب،

وبعد سنوات أجتمعت القبائل المضرية والنزارية وقالوا للكميت، يجب عليك الآن أن تدخل على الخليفة وتعتذر له،  فدخل الكميت على الخليفة واعتذر له، فقبل الخليفة اعتذاره،  وقال أبياتًا يُقال أنه أرتجلها في وقتها، والدليل على ذلك، أنه لمّا خرج قال له القوم ، أين القصيدة، كي ندونها، أو نرويها للناس!  فقال واللّهِ لا أعلم ما قلت!  ذاك كلامٌ أرتجلتة وأنا واقفٌ أمام الخليفة،

أما الأبيات المنتشرة عنه الآن، هي التي حفظها الناس في ذاك المجلس،

وفي يومٍ مقدر، دخل الكميت على والي العراق الجديد بعد أن قُتل خالد القسري، كان والي العراق الجديد ثقفي، فدخل الكميت لينشده شيئًا من الشعر وفيه شتمًا للقبائل اليمانية وخالد القسري وكان على رأسه(والي العراق)  جمعٌ من الحرس، اليمانية، فأدخلوا ذُباب السيف في بطنه ومات في مجلس والي العراق الجديد.

لكنه ترك إرثًا كبيرًا من الشعرِ، ديوانه الأصلي فيه 600صفحة تقريبًا، وله قصائد الهاشميات، يُقال أن الذي لا يعرف الهاشميات لا يعرفُ الشعر ولا يدعيه.