كتب / حافظ مصطفى
كان النداء المقدس رهيبا , لم يدع مجالا للتردد , انجرف سعيد مع الاخرين يحمل سلاحه الشخصي نحو قلعة الشيطان المطله على البحر , التي تحدث عنها شيوخ الضواحي وعن مردتها , اسيحت الدماء وتناثرت الاشلاء وصدحت الاناشيد الملحمية مع مواكب الفداء والنصر تنثال من كل هضبة وقرية وكأنه سيل العرم.
استنفرت الايام ماتبقى لديها من ثوان انسلخت بألم حين تطايرت كريات الدم مرتطمة بأحجار الوادي .
شرب حجر المدبح كل ماتلزج من دماء على الاحجار الشوهاء منذ كان حجر في معبد الدم الذي اندثر وصل سعيد قرب القلعة , وهدير البحر والثئران الهائجة تصم ارجاء المكان جاءت الموجات برأس احد الثيران وهي تتقيأ خثرة دم ممزقة انسحبت لتترك الرأس يخرخر أنفاسه المتبقية على رمل الشاطئ وفي عينيه يبدو بنيان القلعة كمودع وحيد في يوم كئيب على ميناء لم تهدأ امواجه بعد .
رأى سعيد كل تلك الطقوس المضطربه شعر برهبة المكان وقداسته . ارخى بندقيته ووقف يصلي ناحية القبور القديمة متيمما برمل الشاطئ الذي تطهره الامواج حين تنسحب نحو الداخل , رمى بندقيته حين تراخت قبضته وشعر بجسده كأنه قطعة ثلج تخترقها نسمات الشاطئ التي تسكنه منذ ان عرف الموج الرمل والصخور ودفء الشمس .
وعند العودة انتصبت في طريق المذبح عظام القرابين البيضاء ترفع راية الحياة في زمن اللاحياة , رأى الافاعي تسكن نخور العظام وحذاء عسكرية مازالت تضم عظام قدم , وبعض العناكب احاكت في داخلها الخيوط.
خلع حذاءه وترك قدميه تتلمسان نذوب الإسفلت الدافئ ثم رمى خودته بعيداً نحو بركة ماء وواصل سيره وصوت الدوي مازال يقض هواجسه التي ايقنت ان ذلك الصوت ماهو إلا جشات الآلهة الأخيرة في مذبحها وهي تبلع ضخات من دماء القرابين لتعلن النصر في نشرة المساء.