ما العوامل التي ساهمت في تصاعد الغضب الشعبي ضد المجلس الرئاسي؟
كيف انعكس غياب الرؤية الاستراتيجية على أداء المجلس الرئاسي خلال السنوات الثلاث الماضية؟
هل يمثل المجلس الرئاسي امتدادا لفشل المشاريع الوطنية السابقة أم تجربة مختلفة؟ ولماذا؟
ما السيناريوهات المحتملة لمستقبل السلطة في حال استمرار فشل المجلس الرئاسي بتقديم الحد الأدنى من الخدمات؟
قراءة سياسية/ عبدالله جاحب:
بعد مرور ثلاث سنوات على تشكيل المجلس الرئاسي اليمني، تتكاثف المؤشرات يوماً بعد يوم على اقترابه من مواجهة غضب شعبي متصاعد، ليس فقط في نطاق محدود أو دائرة ضيقة، بل على امتداد الرقعة الجغرافية اليمنية.
مظاهر الانهيار تبدو جلية، وتترسخ في تفاصيل الحياة اليومية للمواطن اليمني الذي لم يعد يحتمل مزيداً من التدهور. ومع كل يوم يمضي، تتساقط أوراق الشرعية واحدة تلو الأخرى، وتفقد القيادة السياسية المتبقية في المشهد ما تبقى لها من شرعية رمزية أو سياسية أمام الشارع.
الواقع يقول إن المجلس الرئاسي بات في "مرمى الغضب"، والغضب هنا ليس عاطفياً بقدر ما هو نتاج تراكمات من الفشل في إدارة المرحلة، وانعدام تام للرؤية الاستراتيجية، وغياب كامل للحلول الناجعة، في ظل بيئة محلية وإقليمية ودولية شديدة التعقيد والتشابك.
المجلس وانعدام الرؤية
تأسس مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل 2022، بوصفه هيئة انتقالية بديلة للرئيس عبدربه منصور هادي، في محاولة لكسر الجمود السياسي وتوحيد القرار الوطني، وضم المجلس ثمانية أعضاء يمثلون طيفاً متنوعاً من القوى السياسية والعسكرية اليمنية، المناهضة للحوثيين، وكان من أبرز أهدافه إنهاء الحرب واستعادة الدولة وتحقيق إصلاح اقتصادي ملموس.
لكن، وبعد ثلاث سنوات، لم يتمكن المجلس من إنجاز أي من هذه الأهداف على نحو ملموس، بل إن الكثير من المؤشرات تؤكد أن أداءه اتسم بالتخبط، والتنازع الداخلي، وانعدام الرؤية، ما جعله أقرب إلى كيان رمزي بلا تأثير فعلي على الأرض، ولا قدرة على إعادة ترتيب الفوضى العسكرية أو إصلاح الوضع الاقتصادي المنهار.
غياب المشروع وتكريس الفوضى
منذ اندلاع الأزمة اليمنية قبل أكثر من عشر سنوات، تعيش البلاد حالة من الانحدار المستمر والتقهقر على كل المستويات، وهو ما تجلى في ضعف الدولة، وتآكل مؤسساتها، وانعدام التوافق الوطني.
غابت الدولة، ولم تعد هناك مؤسسات حقيقية تقوم بوظائفها، بل أصبحت الكيانات الهشة والولاءات المناطقية والعسكرية هي الحاكمة والمتحكمة في مفاصل الدولة.
وما المجلس الرئاسي إلا امتداد لهذا الواقع المشوه، حيث لم يستطع أن يتحول إلى مشروع جامع أو مظلة وطنية تلمّ شتات القوى، بل زاد من الانقسام، وفشل في خلق نموذج حكم أو رؤية سياسية تحظى بقبول شعبي. وغاب التناغم بين أعضائه الذين تمثل كل شخصية منهم تياراً أو أجندة مختلفة لا تلتقي في نقطة مركزية واحدة.
"البرع السياسي".. هل حان وقت الرحيل؟
اليوم، وبعد مرور ثلاث سنوات، أصبح التساؤل المشروع والمطروح في الشارع اليمني والسياسي على حد سواء: هل المجلس الرئاسي في طريقه إلى النهاية؟ هل نحن أمام فصل أخير من رقصة "برع" سياسية تشبه إعلان الرحيل التدريجي عن المشهد؟
تبدو الإجابة واضحة في مشهد الاحتقان الشعبي الواسع، وفي مؤشرات الغضب التي تتصاعد يوماً بعد يوم، نتيجة الانهيار المعيشي، وانعدام الخدمات، والانخفاض المستمر للعملة المحلية، مع تفشي البطالة والجوع، وتراجع الأمل بأي انفراجة قريبة، فالمجلس فشل في إعادة ترتيب أولويات الدولة، ولم ينجح في توحيد القرار العسكري، ولم يفرض وجوده كسلطة تنفيذية قادرة على إدارة الملف السياسي أو التفاوضي مع جماعة الحوثي أو غيرها.
فشل المشاريع الوطنية
الحقيقة المرة أن اليمن منذ أكثر من عقد لم تعرف مشروعاً وطنياً مكتمل المعالم، ولم يشهد البلد لحظة توافق سياسي شامل تنتج عنها مؤسسات قوية ومستقرة.
من المبادرة الخليجية، مروراً بالحوار الوطني، ثم اتفاق السلم والشراكة، واتفاق الرياض، فجميع هذه المبادرات لم تنجح في إعادة بناء الدولة، لأنها لم تستند إلى إرادة وطنية حقيقية، ولا إلى مؤسسات قادرة على تنفيذ أي مخرجات.
المجلس الرئاسي جاء استكمالا لهذه السلسلة من المشاريع غير المكتملة، بل يمكن القول إنه أخفق أكثر من غيره لأنه جاء في مرحلة حرجة كانت تتطلب وضوحاً في الرؤية، وشجاعة في القرار، واحترافية في الأداء، وهي عناصر لم تتوفر في بنيته ولا في سلوك أعضائه.
الخيارات الصعبة والسيناريوهات المفتوحة
الحديث عن إصلاح المجلس الرئاسي ليس ترفاً سياسياً، بل أصبح ضرورة وطنية، وفرضاً شعبياً، فاستمرار الوضع الحالي يعني انزلاق البلاد نحو مزيد من الفوضى والانقسام والتدخلات الخارجية، فالخيارات المتاحة اليوم تبدو محدودة، لكنها لا تزال ممكنة إن توفرت الإرادة السياسية والضغط الشعبي الحقيقي.
ومن بين هذه الخيارات:
إعادة هيكلة المجلس أو تغييره بالكامل، بحيث يصبح كياناً صغيراً وفعالاً يعتمد على الكفاءة لا على المحاصصة، بالإضافة إلى الدعوة إلى حوار وطني شامل، يعيد تشكيل السلطة التنفيذية على أسس وطنية لا فئوية.
كذلك، الدفع باتجاه مرحلة انتقالية جديدة، تؤسس لدستور جديد وانتخابات حقيقية، متى ما تهيأت الظروف الأمنية والسياسية.
مجلس بلا دولة.. دولة بلا مشروع
لقد وصل اليمن إلى مرحلة بالغة التعقيد، وفقد المجلس الرئاسي القدرة على التأثير أو الإنجاز، ما جعله في مرمى الغضب الشعبي.
لم يعد الشارع اليمني ينتظر حلولاً من كيان يفتقر للرؤية، ولا يملك أدوات التغيير، ولعل اللحظة السياسية الراهنة تتطلب مراجعة جادة للمشهد برمته، تبدأ بإعادة تعريف مفهوم "الشرعية"، وتنتهي بصياغة عقد سياسي جديد يعيد لليمن هويته ووحدته واستقراره.
فإما أن يتحول المجلس إلى منصة إنقاذ حقيقية بإرادة وطنية صادقة، أو أن يغادر المشهد ضمن رقصة الوداع الأخيرة، تاركاً الفرصة لغيره ممن يمتلكون مشروعاً ورؤية وقيادة حقيقية.