آخر تحديث :الخميس-22 مايو 2025-02:25ص
ملفات وتحقيقات

الطرقات شرايين حياة.. لماذا تخضع لسياسة الكيل بمكيالين؟

الأربعاء - 21 مايو 2025 - 06:31 م بتوقيت عدن
الطرقات شرايين حياة.. لماذا تخضع لسياسة الكيل بمكيالين؟
((عدن الغد))خاص.

هل فتح طريق دمت الضالع جاء استجابة لضرورات إنسانية واقتصادية حقيقية أم أنه مرتبط بتفاهمات سياسية ومصالح ظرفية؟

لماذا تفتح بعض الطرق المغلقة بينما تظل أخرى مثل طريق "عقبة ثرة" أبين مغلقة لسنوات دون مبررات مقنعة؟

هل الجهات المسؤولة تعتمد معايير مزدوجة في إدارة ملف الطرقات وليس معيارا واحدا؟

إلى أي مدى ساهم إغلاق الطرق في تفاقم الأعباء المعيشية وتعميق العزلة بين مناطق اليمن المختلفة؟

ما الذي يحتاجه اليمن اليوم لضمان فتح الطرقات كافة بشكل عادل وهل يمكن تحقيق ذلك دون رؤية وطنية شاملة وآلية رقابة مستقلة؟

(عدن الغد) القسم السياسي:


في البلد الذي مزقته الحرب لقرابة عقد من الزمان، لم تعد الطرقات مجرد بنية تحتية لعبور البشر والبضائع، بل تحولت إلى أدوات لصراعات النفوذ والتحكم السياسي والاقتصادي.

ويبدو أن إعادة فتح طريق دمت – الضالع، الذي يربط بين محافظة إب والعاصمة المؤقتة عدن أمس الأول الإثنين، بعد إغلاق دام سنوات، قد أعادت هذا الملف إلى واجهة النقاش العام، وأعادت طرح السؤال الجوهري: هل بات فتح الطرق يدار بمعايير المصلحة أم بمعادلات الغلبة؟

وهل يمكن فعلا فصل الطابع الإنساني عن الحسابات السياسية في بلد تتشابك فيه الجغرافيا مع موازين القوى؟

طريق دمت – الضالع.. كسر للحصار أم ترتيبات وقتية؟

في صباح أمس الإثنين الماضي، باشرت فرق هندسية وأمنية إزالة العوائق والحواجز من طريق دمت – الضالع، في خطوة قوبلت بترحيب شعبي واسع، لا سيما في أوساط المواطنين والتجار والسائقين الذين طالما عانوا من مشقة الطرق البديلة، ومضاعفة تكاليف النقل، والخطر الذي يرافق التنقل بين مناطق السيطرة المختلفة.

رغم هذا الترحيب، فإن الخطوة لم تمر دون أسئلة، أبرزها: لماذا هذا الطريق دون غيره؟ ولماذا الآن؟ وهل تبنى الأولويات على أساس الاحتياج الإنساني العام أم وفقا لحسابات ظرفية تتعلق بتوازنات النفوذ والمصالح؟

نائب رئيس الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي، علق على هذا الحدث بقوله: "إن فتح طريق الضالع – صنعاء يأتي في إطار إنساني واقتصادي بحت، ويهدف إلى تخفيف المعاناة عن المواطنين وتسهيل حركة التنقل ونقل البضائع والخدمات"، مؤكدا أن الخطوة "لا ينبغي تفسيرها على أنها تطبيع أو جزء من أي تسوية سياسية، بل تعبير عن مسؤولية وطنية واستجابة لحاجات ملحة".

كما أشار إلى أن الخطوة تأتي ضمن مساعي تعزيز جاهزية العاصمة عدن لاستضافة المقرات الرئيسية للمنظمات الدولية، وتنشيط دورها كمركز رئيسي لحركة التجارة، خصوصا في ظل استمرار إغلاق موانئ الحديدة، وهو ما يتطلب إيجاد ممرات آمنة لضمان استمرار الإمدادات الإنسانية والتجارية.

عدالة فتح الطرق.. أين بقية المسارات؟

الخطوة، رغم ما تحمله من دلالات إيجابية، كشفت عن فجوة واضحة في مبدأ المساواة بين المناطق، ففيما يفتح طريق الضالع – إب- صنعاء، تبقى طرق أخرى أكثر وعورة وخطورة مغلقة، مثل طريق عقبة ثرة – أبين - البيضاء، وطريق لحج كرش الصبيحة – تعز، وغيرها من المسارات التي لا تزال محرومة من أي معالجة أو حتى وعود.

وفي هذا السياق، قال رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، فتحي بن لزرق عن هذه الخطوة: "فتح الطريق خطوة حكيمة وضرورية، لكن لا يمكن أن تقابل بسياسة الكيل بمكيالين، فكما فتحت طريق الضالع– إب- صنعاء، يجب أن تفتح عقبة ثرة– أبين– البيضاء- صنعاء، وطريق لحج– كرش الصبيحة- تعز، فالوطنية لا تفصل حسب المقاس، والمعاناة لا تميز بين منطقة وأخرى".

وأضاف: "الناس في أبين يعانون كما يعاني الناس في الضالع، وكما في كرش الصبيحة، ورفع المعاناة لا يجب أن يكون خاضعا للاعتبارات السياسية أو الجغرافية أو الحسابات الضيقة".



الطرقات.. من معبر إنساني إلى ورقة ضغط

تحولت الطرقات في اليمن من مجرد بنى خدمية للمسافرين ونقل البضائع إلى أدوات مساومة تدار بها معارك النفوذ والسيطرة، فالمتتبع لمسار الصراع خلال السنوات الماضية يدرك كيف تحولت الطرق الرئيسية إلى أدوات لعزل المدن، أو محاصرة الخصوم، أو حتى فرض الجبايات والإتاوات، سواء من قبل الحوثيين أو من قبل التشكيلات المسلحة الموالية للحكومة المعترف بها دوليا.

الكاتب الصحفي عارف علي ناجي يرى أن فتح طريق دمت – الضالع ينبغي أن يكون بداية لسلسلة خطوات شاملة تعيد ربط المدن والمناطق ببعضها، بعيدا عن الانتقائية.

وفي السياق نفسه، يؤكد أن "الطريق ليس مجرد ممر لعبور الشاحنات، بل هو جسد الوطن الممزق، وإذا لم تفتح كل الشرايين، فسيظل النزيف مستمرا".

الطرقات كأداة تحكم اقتصادي وتمويل مواز

صحيح أن فتح الطرقات يحمل أبعادا عسكرية وأمنية، لكنه يحمل في نفس الوقت بعدا اقتصاديا لا يقل أهمية عن البعد الإنساني، فكل طريق مغلق يعني مزيدا من الاحتكار، وارتفاعا في الأسعار، وتقلصا في الخيارات.

لكن في المقابل، تمثل هذه الطرق مصدر دخل لعدد من الجماعات المسلحة، التي تعتمد على فرض جبايات في نقاط التفتيش، أو على تحكمها بخطوط التهريب، ما يجعل من فتح الطرق تهديدا مباشرا لمصالح هذه الأطراف.

وفي هذا الصدد، يلفت أحد سائقي الشاحنات إلى أن "الطريق المغلقة أصبحت موردا ماليا، هناك من لا يريد فتحها لأنها تدر دخلا كبيرا، ومن يتحكم في الطريق يتحكم في الأسعار وفي حركة السوق"، وهو ما يظهر كيف أصبحت الطرق أداة تحكم اقتصادي، لا مجرد مسار عبور إنساني.

رؤية وطنية لا خطوات انتقائية

الدرس الأبرز من فتح طريق دمت – الضالع، هو أن أي خطوة فردية أو أحادية لا تغني عن الحاجة إلى رؤية وطنية شاملة، تأخذ في الحسبان المخاطر العسكرية والأمنية، والعدالة الجغرافية، والاحتياج الإنساني، ومبدأ المساواة بين المناطق.

ففتح الطرق يجب ألا يكون ورقة تفاوض، أو أداة ضغط ناعمة، بل بندا أساسيا في أي مشروع وطني للسلام، ورمزا لعودة الجغرافيا إلى يد أصحابها الحقيقيين المستفيدين، الذين هم المواطنون.

ما يحتاجه اليمنيون ليس فتح طريق في منطقة مقابل إغلاق أخرى في منطقة ثانية، بل تحرير الطرق من قبضة الميليشيات والمصالح، ومنح الناس حقهم في التنقل بأمان، بعيدا عن الحواجز المسلحة والجبايات المفروضة.

فكسر الحصار الحقيقي عن القرى والمحافظات اليمنية، لا يبدأ فقط بإزالة الحواجز الأسمنتية، بل بتحطيم الحواجز السياسية والنفسية التي فرقت الناس، وغذت النزاعات، وقطعت جسد الوطن الواحد إلى جزر معزولة.

المواطن اليمني لا يطلب المعجزات، هو فقط يريد طريقا آمنا، يصل به إلى قريته أو المدينة المجاورة، أو ببساطة إلى حياة تشبه تلك التي كان يعيشها قبل عقد من زمن الحرب، وقبل أن تتحول الطرقات إلى مناطق مواجهات عسكرية وحرب ومصادر رزق، لبعض الجماعات المسلحة المتحاربة.