ما الذي دفع شركات خاصة إلى تقديم خدمة الكهرباء التجارية في عدن؟
ماذا عن الفارق بين تكلفة الكهرباء الحكومية والكهرباء التجارية؟
لماذا تبرز المخاوف القانونية والاجتماعية من انتشار الكهرباء التجارية؟
هل هناك موقف رسمي من السلطات حيال هذه الخدمة الجديدة؟
إلى أين يتجه ملف الكهرباء في عدن؟
عدن بين نار الانطفاءات ولهيب الخصخصة.. هل تحولت الكهرباء من خدمة إلى سلعة تجارية؟
تشهد العاصمة المؤقتة عدن، تدهورا في الكهرباء الحكومية وظهور البدائل التجارية، إذ تتصاعد أزمات الخدمات الأساسية يوماً بعد يوم، ومعها برزت خدمة الكهرباء التجارية كحل طارئ يعكس واقعاً جديداً، لكنه أثار تساؤلات ومخاوف حول مستقبل الكهرباء وحقوق المواطنين.
ففي ظل الانقطاعات المتكررة التي أصبحت جزءاً من حياة السكان اليومية، دخل القطاع الخاص ليملأ الفراغ، لكنه فعل ذلك بتكلفة باهظة أثارت الجدل،
خصوصاً بين الفئات ذات الدخل المحدود.
- الفجوة السعرية بين الكهرباء الحكومية والتجارية
في مطلع الشهر الجاري، بدأت مؤسسة "الكهالي لتأجير وبيع الطاقة" تقديم الكهرباء التجارية في مديرية المنصورة، إحدى أكبر أحياء عدن، حيث تذمر السكان من ارتفاع أسعار الخدمة التي فاقت تعرفة الكهرباء الحكومية بأكثر من خمسين مرة. فبينما تبلغ التعرفة الحكومية 19 ريال يمني لكل كيلو وات،
وصل سعر الكيلو وات في الخدمة التجارية إلى 1000 ريال.
- آثار ارتفاع الأسعار على الأسر ذات الدخل المحدود
هذه الفجوة الهائلة في الأسعار تضع الأسر أمام خيار صعب: إما تحمل حرارة الصيف القاسية بلا كهرباء أو دفع مبالغ كبيرة تفوق طاقة غالبية الأسر على التحمل.
أحد الموظفين الحكوميين يعبر عن مأزق كثيرين بقوله: "أدفع شهرياً أكثر من نصف راتبي لتشغيل الكهرباء التجارية، ولا أستطيع التوقف لأن أطفالي لا
يتحملون الحر، لم نطلب ترفاً بل حقاً بسيطاً".
- غياب الإطار القانوني والرقابة الرسمية
لكن هذه الخدمة التي تبدو حلاً طارئاً لمشكلة انقطاع الكهرباء، تفتقر إلى تنظيم قانوني واضح ورقابة حكومية فعالة، مما يجعلها عرضة للاستغلال
والاحتكار.
يشير محامون قانونيون إلى وجود فراغ قانوني كبير حول عمل هذه الشركات، قائلاً: "القانون اليمني لا يمنع الاستثمار في الكهرباء، لكنه يشترط وجود
تراخيص ورقابة لضمان حقوق المستهلكين وحماية الطرف الأضعف".
ردود فعل السكان والمجتمع المدني
في الواقع، عدن تعاني من هشاشة مؤسساتها الحكومية، وتكاثر البدائل الخاصة التي تعمل دون رقابة كافية، مما يزيد من مخاوف المواطنين حول مستقبل
الكهرباء، فهل نشهد بداية خصخصة فعلية لهذا القطاع الحيوي؟
وهل يمكن للدولة أن تحمي حق المواطنين في الحصول على خدمة كهرباء بأسعار عادلة؟
على الرغم من التذمر الشعبي، لم يصدر حتى الآن أي موقف رسمي واضح من وزارة الكهرباء أو من السلطات المحلية في عدن.
المجلس المحلي اكتفى بتوجيهات عامة لم تُنفذ ولم يرافقها أي إجراءات رقابية ملموسة، ما يعكس حالة من التخبط أو التهاون.
مواطنة من سكان مديرية الشيخ عثمان تقول: "نشعر أن كل شيء يُباع ويُشترى في هذه المدينة، من التعليم إلى الكهرباء، نحن كمواطنين أصبحنا غرباء في
مدينتنا".
- المخاطر الفنية والأمنية في الخدمات التجارية
أما من الناحية الفنية، فهناك مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الخدمة المقدمة دون إشراف هندسي ورقابة فنية رسمية، مما قد يؤدي إلى حوادث
كهربائية خطيرة.
المختصون في السلامة العامة، يؤكدون: "تمديدات الكهرباء التجارية لا تخضع لأي معايير أمان أو مراجعة فنية، وهذا خطر حقيقي على السكان، فقد نشهد
حوادث تماس كهربائي تؤدي إلى خسائر بشرية ومادية".
- صمت السلطات الرسمية وتراخي الرقابة
الشارع يعبر عن رفضه لهذه الخدمة من خلال احتجاجات متفرقة في عدة أحياء بالمدينة، حيث رفع المتظاهرون شعارات تطالب بتوفير كهرباء حكومية، بأسعار معقولة وتندد بتدهور الخدمات العامة.
- احتجاجات الشارع وتصاعد التوتر الاجتماعي
في الجانب الاقتصادي، يرى خبراء الطاقة أن المشكلة ليست في وجود الكهرباء التجارية بحد ذاتها، بل في غياب التنظيم الحكومي الذي يضمن عدالة التسعير
وحقوق المستهلكين.
خبراء في قطاع الطاقة، يقترحون إنشاء هيئة مستقلة لإدارة وتنظيم قطاع الكهرباء، تضم ممثلين عن الحكومة والمجتمع المدني والشركات الخاصة، لضمان
شفافية الأسعار وسلامة الخدمات.
- الحلول المقترحة
من الحلول المقترحة، ضرورة إنشاء هيئة تنظيم مستقلة، ويؤكد الفنيون في قطاع الكهرباء: "إذا لم نبدأ بتنظيم هذا القطاع بشكل جدي، فإن الكهرباء
ستتحول من حل مؤقت إلى عبء دائم على المواطنين، وستفقد الدولة ما تبقى من سيادتها على هذه الخدمة الحيوية".
- امتحان قدرة الدولة على توفير الخدمات
من جهة أخرى، يطرح هذا الواقع تساؤلاً أعمق عن قدرة الدولة على الوفاء بمسؤولياتها تجاه المواطنين في ظل الأزمات المتعددة التي تواجهها.
فالكهرباء لم تعد مجرد خدمة، بل أصبحت اختباراً يومياً لقدرة الحكومة على توفير أبسط حقوق الناس. وبينما تستمر الانقطاعات وتتصاعد الأسعار، يخشى
الكثيرون أن يتحول الأمر إلى واقع لا مفر منه، حيث تُباع الخدمات الأساسية لمن يملك المال فقط.
- الفرصة المتبقية
مع ذلك، لا يزال هناك أمل ضئيل في إمكانية إعادة ضبط المسار عبر سياسات شاملة تعيد الكهرباء إلى خانة الحق العام وليس مجرد سلعة ربحية.
ويشدد نشطاء المجتمع المدني على ضرورة فرض رقابة صارمة على عمل الشركات الخاصة، وتوفير دعم حكومي حقيقي للقطاع العام لضمان استمرارية وجود
الخدمة للجميع.
في الختام، يظل ملف الكهرباء في عدن مفتوحاً على العديد من السيناريوهات، لكنه في الوقت ذاته يشكل مرآة تعكس الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي
تعيشها المدينة.
وما بين نار الانطفاءات ولهيب الخصخصة، يبقى السؤال الأساسي: هل ستتمكن الدولة من حماية حق المواطن في كهرباء عادلة ومستدامة، أم أن المدينة
ستغرق أكثر في ظلام الانقسامات الاقتصادية والاجتماعية؟